بدأ المراقب العام للأخوان المسلمين الشيخ / علي محمد أحمد جاويش على طبيعته ودون تكلف مسترسلاً في حديث ملون ما بين ذكرياته في الصغر وآراء دينية حول شهر رمضان الفضيل، ولم يخلُ الحديث عن نكهة سياسية في بعض الجوانب، حدثنا عن ما كان عليه الطعام سابقاً من بساطة، وما آل إليه الحال الآن مفرقاً مابين الصالح والطالح من عاداتنا في السودان.. عارجاً الى دور الأسرة ودور علماء الدين في إصلاح المجتمع، والكثير الكثير.. جاويش (أخذ راحته) في الحديث ولذلك كان الحوار معه شيقاً، ولكم أن تحكموا عقب مطالعته في المساحة التالية.. التقته: أسماء سليمان *بداية يا شيخنا رمضان كريم؟ -الله أكرم ..الله يبارك فيك *هناك خلاف ما بين التهنئة بكلمة رمضان كريم وبين رمضان مبارك؟ -أولاً عبارة (رمضان كريم) لم نعرفها إلا الآن.. فعندما كنا في البلد وإذا قدم اليك من يزورك في نهار رمضان ولا تستطيع أن تقدم له ما تضيّفه به فتقول له (رمضان كريم)، فكانت العبارة تستخدم للإعتذار وهذا مفهومها، ولكن أهل المدن أصبحوا يستخدمونها كعادة *كثرت الفكاهات والنكات عن الشهر الفضيل وأصبحت متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي فما تعليقك على ذلك؟ - هذا هو لغو الكلام الذي لا فائدة منه، وكان رسول الله يتعالى عنه (الذين يشترون لهو الحديث)، وهذا ليس من أخلاق المؤمن وليس من أعمال الصحابة، فقد كان النبي يمزح ولا يقول إلا حقاً أي لا يكذب.. كما أن السخرية في القرآن ممنوعة لا من مخلوقات الله ولا من خلق الله، فكيف ورمضان من أعظم الشهور، فهذه الأمور يجب على الإنسان أن يترفع عنها. *كثيراً ما تقضي المرأة في رمضان جل وقتها في المطبخ ولا يكون لديها الوقت الكافي للتعبد فكيف ترون ذلك؟ - المرأة يجعل لها ربنا أجراً مضاعفاً وهي تقوم بخدمة بيتها.. كما أن المرأة في السابق كانت تشارك زوجها فتعمل معه في الزراعة والساقية ثم تعود للمنزل ل (تعوس) وتحضر الطعام، وحتى الآن بعد أن تأتي من العمل تعد الفطور، وبعدها تجهز العشاء وتغسل الأواني، فلها أجر كبير لما تبذله من مجهود، الله حباها بالصبر بينما الرجل لا يستطيع أن يصبر مثلها، لذلك فليبشرن بالخير العميم والأجر الكريم. *على مستوى الأشخاص توجد بعض السلوكيات منها الجيد ومنها ماهو غير ذلك خاصة في رمضان ؟ -هناك عادات سيئة جداً في رمضان وقد نبه لها العلماء، ولم أجدها إلا في السودان منها النوم في المساجد، فالمساجد لذكر الله وليست للنوم، هناك مساجد تقام فيها دروس دينية، فكيف يكون الدرس وهناك من يستلقي ( حاجة شينة).. كذلك بعض الناس يلعب كوتشينة بعد العشاء أو يتونس حتى ساعات متأخرة من الليل وفي الأصل الونسة بعد صلاة العشاء ممنوعة. *وماذا عن الإيجابيات؟ - إن من أعظم الأشياء وتعتبر سنة من السنن كما أنها لازالت حتى الآن في الأقاليم الفطور المجاني المقام في الطرقات، قال النبي (من فطر صائماً فله مثل أجره لا ينقص من أجره شيئاً، قلنا يا رسول الله أكلنا يجد ما يفطر به؟، قال ولو (مضغة لبن). *كيف كان إفطار رمضان قديماً في السودان؟ - من الأشياء التي نشأنا عليها في مناطق الشمالية بالقرب من بربر، أذكر كنا نفطر على البليلة والحلو المر القديم. *الحلومر القديم؟ - ايوه، كان يصنع على شكل كرات قوية جداً، تشبه في شكلها ( الدلكة)، ولابد أن تنقع في الماء منذ الصباح حتى تصبح مشروباً نسبة لصلابتها، كما أنه يمكن نقعها لأكثر من مرة. *وماذا عن البليلة هل هي البليلة العدسي أم الكبكبي؟ -لا البليلة كانت اللوبيا الحمراء، التي اثبتت الدراسات مؤخراً انها مغذية جداً. ولكنها الآن أصبحت غير موجودة كثيراً، لقد كنا نفطر على البساطة والاختصار *يبدو أنك تحبهما كثيراً وماذا عن القراصة والعصيدة ؟ طبعاً أحب الإفطار بهما.. القراصة اشتهر بها شمالاً الرباطاب والمناصير وما يمتد شمالهما بالإضافة الى أكلة تسمى (سمبوسة القمح).. أما العصيدة فأتت من مناطق الجزيرة وغرب السودان وبرضها كويسة. *الآن أصبحنا نلاحظ إسراف الأسر وخاصة في رمضان؟ -الإسراف حاجة بطالة، قال تعالى (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) وقال (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) لأنه يضر بالجسم.. فالإعداد لرمضان لا يكون بالأكل والشرب وتكدس المطبخ بالمأكولات وهي سنة غير المسلمين، وإنما يكون بالعمل الصالح، فقد كان الصحابة يحرصون على الدعاء وقيام الليل، وهذا شهر القرآن.. فيجب الإفطار بفطور خفيف حتى يقدر الصائم على أداء صلاة التراويح والتهجد.. سألت ذات مرة بعض الناس ( انتوا بتتسحروا) فقالوا حوالي الثالثة والنصف صباحاً فقلت لهم دا مرض. *مقاطعة.. وكيف يكون السحور ؟ - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الفرق بيننا وبين صيام اليهود (أكلة السحر) و قال ( تسحروا إن في السحور بركة ) السحور الصحيح يكون قبل أذان الفجر بخمس أو سبع دقائق، فيأكل الصائم تمراً أو أكلة خفيفة أو يتناول ما شاء من ماء أو لبن، فيصبح في اليوم التالي نشيطاً. *ما أهم ما يميز رمضان في السودان عن غيره؟ -كما ذكرت أعظم حاجة تناول الإفطار في الشارع.. وأذكر أيام حرب الجنوب كان يأتي قرابة العشرين شخصاً فيجلسوا ويفطروا معنا، حتى أن الناس أصبحوا اصبحوا عارفين فيجلسون للفطور دون الحاجة لأن تلح عليهم، وهي من الحاجات الكويسة.. كذلك بعض الشباب صادفناهم في الطرقات في وقت الأذان فيقومون بحجز سياراتنا و يصروا على تقديم الإفطار لنا.. وقد سألت بعضهم ماذا تفعلون؟ فقالوا نحن نعد بعض السندوتشات والأشياء الخفيفة للعابرين للطرق، فقلت لهم هذا كلام عظيم و حاجة ممتازة. *في الجانب الآخر هناك إفطارات تقوم بها بعض الشخصيات والمؤسسات ويتردد انها أعدت من مال الدولة ويدعى لها أناس غير محتاجين للطعام في الأساس؟ -هذا ما عابه الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله ( بئس الوليمة يدعى لها الإغنياء ولا يدعى لها الفقراء).. كما أنه لا يجوز الإنفاق من مال الدولة على هذه الإفطارات لأنه مال المسلمين، وهذا تعد كبير عليه.. عايز توري إنك زول كريم أنفق من جيبك، يجب على الدولة إصدار قرار يوقف هذه الإفطارات من هذا النوع. *مارأيكم في المظهر العام للشارع السوداني وخاصة في رمضان؟ - المظهر العام وخاصة النساء أصبح سيئاً، وهناك عادات جديدة وفدت على البلاد، في السابق كانت المرأة تخرج محتشمة وتمشي دون أن تتحدث في الطرقات على عكس الآن، وحتى الأسر أصبحت لا توجه ولا تملك الإمكانات المادية، وكذلك التعليم أصبح منهاراً، زمان كان النساء يتعلمن في الخلوة مع الرجال فيتعلمن من ذلك الأدب، أما التعليم الحديث ليس فيه توجهاً إسلامياً وليس لديه قيم إسلامية، وانظر الى الإعلام أصبح بعيداً جداً عن ذلك وموجهاً لإلهاء الناس فقط.. وحتى العلماء أصبحت إيديهم مغلولة ولا يستطيعون أن يقوموا أو يوجهوا، فيجب على الدولة إطلاق أيدي العلماء عبر وسائل الإعلام المختلفة. *وماذا عن الفضائيات وخاصة السودانية ؟ -ما يحدث في القنوات الفضائية الآن ليس صدفة ولقد علم أعداؤنا من أين يدخلون لنا، لأن رمضان قديماً كانت تقع فيه الغزوات وتحدث فيه الانتصارات وتتنزل فيه الرحمة، فأصبح أعداء الدين يبثون هذه المسلسلات للدول العربية، وكثر الترويج للمسلسل الفلاني والفنان الفلاني، وربنا وصف رمضان بالأيام المعدودات وخصصها للتراويح وقيام الليل. وهناك مصيبة أخرى ما تسمى بخيمة رمضان التي تدعو لها بعض المؤسسات و الفنادق، ويكون الإعلان لها باحتوائها على الطعام الشهي والموسيقي الشرقية حتى الصباح.. يعني الإنسان (يحشي كرشه)، ويصرفوه عن الصلاة والتهجد، والدولة ساهية لاهية ومافيها توجيه. *لقد أقر علي عثمان محمد طه مؤخراً بأن الحركة الإسلامية تراجعت وأن اليساريين لديهم بعض الإشراقات فهل هذا صحيح؟ - ضاحكاً، علي عثمان إذا قال ذلك فهو المسؤول الأول عن هذا الأمر، لأنه كان المسؤول عن الحركة الإسلامية سابقاً، أما حول إشراقات اليساريين، دي مابعرفا، فكيف تكون لديهم إشراقات وهم يدعون بما ليس في الدين؟. الإشراقات تأتي من المؤمنين.