*قطعنا عن مواصلة ما بدأناه، عن (الضيافة) الشريفة والمأجورة إن شاء الله، عارض المرض.. فالحمدلله على كل حال، فهو الشافي والكافي والمبدئ والمعيد. *بعد خمسة أيام بمدينة الخير، نلنا فيها ما يسر لنا الله من بركاتها الروحية والمادية.. فكانت كالعهد بها محققة ومستحقة لثناء النبي الأعظم عليها بأنها (طيبة) ، وهو ما اشتهر عنها في الآفاق، خصوصاً في الديار السودانية تيمُناً وإعزازاً ومديحاً سارت بذكره الركبان . *بعد تلك الخمسة الحافلة.. ذكراً وصلاة وتأملاً.. حملنا مضيفونا على حافلات عملاقة مسومة إلى (آبار علي) بعد أن أحرمنا بنُزلنا في فندق (كروان بلازا) المطل على الحرم النبوي الشريف.. (آبار علي) التي أختلف القوم في أصل اسمها، ومنهم أهلنا الذين ينسبونها إلى (أبو زكريا) علي دينار سلطان دارفور.. وهناك صلينا الظهر والعصر جمعاً وتوجهنا نحو البيت العتيق تلهج السنتنا بالتلبية والحمد والتوحيد.. فما كادت الشمس تتكئ نحو مغيبها حتى أطلت علينا مآذن المسجد الحرام وساعة الملك عبد الله (طيب الله ثراه).. فنزلنا بفندق (ماريوت – مكة) لبعض الراحة استعداداً للعمرة.. طوافاً وسعياً.. كما ظل المؤمنون يفعلون عبر القرن تلبية وشكراً وتهليلاً وتكبيراً.. فختمنا العمرة بالصلاة في المسجد الحرام، الذي أجمع الفقهاء بأن الصلاة في رحابه تعدل مائة ألف صلاة بأجرها وغفرانها لذنوب كزبد البحر.. فالحمدلله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. *تلك كانت البداية الموفقة لبرنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين في ديار قريش، فتلبستنا آيات (الإيلاف) فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.. فعببنا من ماء زمزم ما شاء لنا الله نشداناً للبركة والشفاء من كل داء. *كان لافتاً أن منزلنا بفندق ماريوت كان جزءاً من حيز الحرم، وكان مصلاهُ مطلاً عبر نافذة زجاجية عريضة على باحة الحرم ومآذنة وموصولاً عبر مكبرات صوت مخصوصة مع صوت إمام المسجد الحرام خلال الصلوات الخمس الراتبة، فلا تحتاج أحدنا أن ينزل ويتجه إلى مبنى الحرم الرئيسي، فجُعلت لنا الأراضي كلها مسجداً وطهوراً بفضل الله وحمده. *استوقفتني التوسعة الجديدة للمسجد الحرام ومطاف الكعبة، حيث أنجز بتسخير إلهي ملحوظ عمران غير مسبوق.. فالمطاف بات جاهزاً لاستقبال موجات الحجاج والمعتمرين في مختلف مستوياته بما يحقق الراحة ويجنب ضيوف الرحمن مكدرات الزحام والتدافع، خصوصاً بعد تفكيك المطاف المؤقت الذي أنشيء في صحن الكعبة المشرفة، وتقول بعض الإحصاءات التي حصلنا عليها إن عدد الطائفين سيرتفع من (48) ألفاً في الساعة إلى 105 آلاف، ما يعني مضاعفة العدد وأكثر في كل ساعة. *الدكتور عبد الرحمن السديس قارئ القرآن الشهير وإمام الحرم الملكي السابق، الذي أصبح الآن الرئيس العام لشؤون الحرمين المكي والنبوي- بدرجة وزير- أوضح أن مشروع توسعة المطاف ورفع طاقته الاستيعابية جاء ضمن استراتيجية بعيدة المدى لفك الزحام الذي يعانيه الطائفون في مواسم الحج والعمرة، ولتوفير الإنسيابية التامة عند المطاف، تمشياً مع التوسعات المتتالية للحرم بأكمله.. وقال معاليه إن المطاف بات يتكون حالياً من خمسة مستويات، بما في ذلك سطح المسجد الحرم، وذلك بعد عمل متصل استمر لثلاث سنوات.. شمل كذلك إعادة إنشاء الحرم القديم والتوسعة السعودية الأولى، وتوسعة المنطقة المحاذية للمسعى لتصبح بعرض 50 متراً بدلاً من 20 متراً مع إنشاء جسور رابطة مع مناسيب الدور الأول، وتخفيض مناسيب الحرم ككل ليصبح متوازياً مع منسوب صحن المطاف.. وكل هذه وغيرها من الأعمال الهندسية تحقق الارتباط والاتصال البصري بشكل كامل.. مع الحفاظ على الإرث التاريخي لعمارة الحرم وتوثيق فنونه التشكيلية بأدق التفاصيل. (يتبع)