من المسلم به والذي لا يختلف عليه أثنان الفوائد العظيمة والآثار الواضحة للاستثمار على اقتصاديات الدولة، من حيث تنمية الموارد المادية والبشرية، بتوفير احتياجات البلاد من السلع والخدمات وزيادة حجم الصادرات وتوفير العملات الحرة التي تستنزفها الواردات من السلع، والخدمات التي يمكن توفيرها محلياً عبر الاستثمار الأجنبي والوطني، وخلال أكثر من خمسة عشر عاماً ظللنا نقرأ ونسمع عن اهتمام الدولة بالاستثمار من حيث التشريعات والهياكل من مجلس أعلى ووزراء ومفوضيات، إلا أننا لازلنا نقرأ ونسمع عن معوقات الاستثمار ووعود المسؤولين بتزليلها ..ووسط هذه الحالة من البلبلة والضبابية نجد أن المحصلة صفراً كبيراً قياساً على إمكانات البلاد الضخمة والفرص الكبيرة للاستثمار الأجنبي لا سيما الاستثمار العربي، بل حتى المستثمرين الوطنيين والذين هاجروا إلى الدول المجاورة لتوفر المناخ الجاذب للاستثمار بحق وحقيقة، حيث لا عقبات أو تعقيدات أو مطاولات هناك ولا استعراض للعضلات ولا تحريض ولا (عكاكيز)!! وإذا نظرنا إلى ولاية الجزيرة نجد أنها الولاية الأولى على مستوى البلاد التي خصصت إدارة للاستثمار والصناعة وتطورت من إدارة إلى مفوضية، وسنت قانون الاستثمار ليمنح ميزات إضافية جاذبة وضمانات للمستثمرين، وإنشاء مركز لخدمات المستثمرين ورعايتهم كبنك المعلومات الاستثمارية، بل وإنشاء مجلس أعلى للاستثمار برئاسة والي الولاية بحل كافة العقبات التي تواجه المستثمرين، ووقفنا على مساعي حكومات الولاية المتعاقبة في الترويج للاستثمار، وتابعنا جهودها في الداخل والخارج واستقبال وفود المستثمرين العرب والأجانب، إلا أن كل تلك المحاولات لم تثمر شيئاً ذي بال ولم تخرج عن كونها علاقات عامة، لأن المحك والعبرة في التنفيذ كما أن القوانين والتشريعات بحاجة إلى آلية فاعلة لإنفاذها، لأن أكبر العقبات التي تواجه المستثمرين والاستثمار في الولاية هي مسألة تبرئة الأرض والتي تحول دون الاستجابة لطلبات العديد من المستثمرين الجادين من خارج وداخل البلاد، وللتدليل على ذلك أشير إلى نموذجين من عدة حالات تعرفت عليها ففي الموسم الصيفي قبل الماضي بمشروع الجزيرة دخلت الهيئة العربية للإنماء الزراعي في تجربة شراكة مع بعض المزارعين بقسم ري شلعي، وقامت الهيئة من جانبها بتوفير التمويل الكافي للتحضير والزراعة وتوفير المدخلات إلى جانب الإرشاد، وحققت التجربة نجاحاً كبيراً في الإنتاج والإنتاجية ولدى مخاطبته احتفال الحصاد في منطقة الهدى محلية المناقل أكد الشيخ المزروعي رئيس الهيئة العربية للإنماء الزراعي استعدادهم لتوسيع الشراكات مع مزارعي مشروع الجزيرة بكافة الأقسام وكشف عن رغبة الهيئة بالدخول في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بالولاية وخارج نطاق مشروع الجزيرة وتقديمهم لطلب الحصول على مساحات من الأرض لهذا الغرض منذ نحو عامين.. وأضاف قائلاً إنه شخصياً ظل يتابع هذا الأمر وجاء لمقابلة السيد والي الولاية آنذاك أكثر من مرة دون جدوى قال ذلك في حسرة وألم!!. كما أن أحد المستثمرين في مجال الزراعة تقدم هو الآخر بطلبه لسلطات الولاية للتصديق له بمشروع زراعي في مساحة (600) فدان لزراعة نوعية محسنة من القمح في إطار سياسة الدولة الرامية إلى توطين القمح لا سيما وأن المستثمر المعني هو أحد أكبر مستوردي القمح في البلاد، وقلبه على الوطن لا شك في ذلك لإيقاف استنزاف العملات الحرة لاستيراد القمح والدقيق ولا يزال طلبه الذي مضت عليه عدة سنوات قيد النظر مع المتابعة والملاحقة من جانبه ..ففي الحقيقة أن معظم الأراضي المتاحة لقيام مشروعات زراعية بالولاية هي أراضي حكومية، ولكن هناك من يدعي حيازتها ويعرقل طرحها للاستثمار وأذكر هنا سابقة وحدة سد مروي والتي نجحت في تسجيل مليون فدان بالضفة الغربية لشاطئ النيل من مروي وحتى دنقلا، وهي أراضي حكومية بها حيازات لبعض مواطني المنطقة وبقرار جمهوري، تم حجز تلك الأراضي لصالح وحدة تنفيذ السدود حتى تسهل عملية استثمارها بعد شق ترعة السد، لقد احتج أصحاب الحيازات بكافة الوسائل وأخيراً رضخوا للأمر الواقع طالما أن ذلك يحقق المصلحة العامة، على الرغم من أن مولانا أبو رنات قال في إحدى حيثيات الحكم في قضية : إن الجريمة في الشمالية وافدة ولكنها عندما تصل الأرض تصبح مثل العرض، وقياساً على سابقة وحدة سد مروي ولتحريك وتيرة الاستثمار في الولاية، والذي يعتمد اعتماداً أساسياً على الأرض، والأرض الزراعية على وجه الخصوص.. أرى إجراء حوار عاجل تشارك فيه كل مكونات الولاية للخروج بتوصيات تحسم عملية تبرئة الأرض، وإن دعا الأمر إلى الطلب لرئاسة الجمهورية لإصدار قرار لتسجيل جميع الأراضي الحكومية بالولاية باسم المفوضية العامة للاستثمار، لأن تعطيل الأرض جريمة منكرة في حق الإنسانية هذا في جانب معوقات الاستثمار الزراعي.. أما في جانب الصناعات التحويلية فقد وقفت بنفسي وتابعت العراقيل التي واجهت أحد المستثمرين والذي سبق وأن تقدم بطلب للحصول على قطعة أرض مساحتها فدان واحد لإنشاء مدبغة صغيرة وحديثة وكان ذلك بتاريخ 42/11/2013م واعتذرت إدارة الاستثمار بعدم وجود مساحة في المناطق الصناعية بالولاية، ولكن يمكن التصديق له في المخطط الاستثماري الجديد بمحلية أم القرى، وبعد معاينته الموقع فقد قبل على الرغم من عدم توفر الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وبعد حصوله على موافقة إدارة الاستثمار، اشترطت عليه وزارة البيئة بالولاية آنذاك إنشاء وحدة معالجة بعد الدراسات البيئية التي يعدها خبير من جامعة الجزيرة، وبالفعل تمت الدراسة وأجازتها وزارة الاستثمار رغم أن تكاليف وحدة المعالجة بالنسبة للمستثمر تفوق نصف تكلفة المشروع نفسه، ولما كانت المحطة تحتاج لإضافة ثلاثة أفدنة فقد ظل لأكثر من عام ونصف العام يتابع مع لجنة التخطيط أمر إضافة المساحة لصالح محطة المعالجة، واتضح من خلال متابعتي معه دقيقة بدقيقة أن ما تسمى بلجنة التخطيط هي أكبر معوق للاستثمار بالولاية، وإزاء ذلك قام المستثمر بالشكوى للمسؤولين في القطاع الاقتصادي بالولاية، وعلى رأسهم والي الولاية الأسبق دون جدوى لابد أنه مثل كثيرين ينتظرون أن تزال هذه العراقيل لكي يساهموا في تنمية الجزيرة ، في ظل حكومة الأمل والتحدي التي تتبنى برامج لنهضة شاملة في الولاية ورأس الرمح فيها هو الاستثمار. والله من وراء القصد