تسلم الدكتور فضل عبد الله وزير رئاسة الجمهورية في 27-3-2016م مذكرة من وفد يمثل الموقعين على مبادرة اسموها (مبادرة السلام والإصلاح)، حيث ضم الوفد كل من الدكتور الجزولي دفع الله، والبروفيسور الطيب زين العابدين، والبروفيسور الطيب حاج عطية، والدكتور محمد محجوب هارون، والأستاذ عبد الله آدم خاطر، والأستاذة ماريا عباس.. هذا الوفد أناب عن52 شخصية عرفت نفسها بأنها (جماعة يجمع بينها الانشغال بالشأن العام الوطني).. وانطلقت المبادرة حسب وجهة نظر أصحابها لِتَعرُّض البلاد لأزمة سياسية حادة انعكست على كافة مناحي الحياة، وأن هناك شبه اجماع وطني لتوفير مخرج عاجل من خلال حوار وطني حقيقي وشامل ..وتهدف المبادرة كما يقول أصحابها إلى دعم مقاصد حوار وطني شامل يعمل على جمع الصف القومي وتحقيق الإصلاح ونشر السلام، وبسط الأمن والاستقرار، وذلك بإنهاء الحرب ووضع خطة قومية لنهضة السودان. وحددت المبادرة ثماني أولويات كأجندة مهام وطنية لمرحلة انتقالية تشمل الآتي: إيقاف الحرب وتحقيق السلام ومعالجة الأوضاع الإنسانية. العمل عبر آليات وطنية لتحقيق العدالة والمصالحة والتعايش السلمي ومعالجة مسألة المحكمة الجنائية. ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وتأسيس حكم راشد يقوم على مبادئ الديمقراطية التعددية والفصل بين السلطات الثلاث، وتأكيد احترام الدستور وسيادة حكم القانون وبسط الحريات العامة وحماية حقوق الإنسان. الشروع في عملية مبادرة لإصلاح شامل للاقتصاد الوطني ومعالجة جذور الأزمة الاقتصادية وتقديم حلول فعالة للضائقة المعيشية الخانقة. إصلاح علاقات السودان الخارجية بما يخدم المصالح الوطنية لا سيما العقوبات الاقتصادية والديون. تحقيق توافق وطني واسع حول الدستور والموازنة من قبل برلمان منتخب وعرضه في استفتاء عام على الشعب، وإعادة النظر في النظام الفدرالي بناءاً على التجربة السابقة. تهيئة البلاد لانتخابات حرة وعادلة ونزيهة في خاتمة المرحلة الانتقالية. إصلاح الخدمة المدنية، محاربة الفساد بأشكاله كافة في كل المجالات، واسترداد ما تم الاعتداء عليه من المال العام. إحداث تغيير شامل يتجاوز مجرد تعديلات محدودة في تشكيل الحكومة المركزية أو الحكومات الولائية، وأن يتم إيقاف الحرب ونشر السلام والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والإصلاح الاجتماعي، من خلال برنامج تنفيذي يقوم على أولويات محددة واضحة، تقوم به حكومة (مهام وطنية) من أهل الكفاءة والخبرة والأمانة مع تمثيل رمزي للقوى السياسية لمدة عامين أو أكثر لتنفيذ برنامج المهام الوطنية. هذا تقريباً ملخص غير مخل لما حوته مذكرة الشخصيات القومية، ونحاول أن نقرأها قراءة تحليلية لمعرفة مدى مساهمتها في حل الأزمة السودانية، وذلك لمعرفة ماهي الإضافة التي قدمتها ومن ثم مدى قبولها أو رفضها أوحتى أين يكون مكانها؟ أولاً: المذكرة وقعت عليها (52) شخصية سودانية معروفة بينهم العلماء والأكاديميون والكتاب، وضمت شخصيات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مروراً بالوسط وحتى المحايدين، وكما وصفتهم الورقة نفسها بأنهم شخصيات مهتمة بالشأن العام السوداني، ونستطيع أن نجزم أن من بينهم من (كان) (وكان) هذه مهمة ..أخاً مسلماً صادقاً أو شيوعياً متطرفاً أو قومياً عريباً وغيرها من انتماءات التصنيف السياسي أو الفكري، إلا أننا نكاد نجزم أنهم الآن بعد أن تقدم بهم العمر، وامتلأت عقولهم بالمعارف أنهم فعلاً مشغولون بالشأن العام، وإن معظمهم خرج من ضيق المواعين الحزبية إلى سعة الفكر والوطن. وعلى الرغم من اختلاف مشاربهم السياسية إلا أن توقيعهم على الورقة يمثل اتفاقهم على الحد الأدنى بينهم، وهذا فيه إشارة واضحة على امكانية اتفاق السودانيين على الحد الأدنى، الذي يجمع بينهم إذا تقدم الانتماء الوطني على الانتماء الحزبي وحظوظ النفس، وعلى الرغم من أن هذه المجموعة يغلب عليها الطابع الأكاديمي وربما الصفوي إلا أنها ربما تمثل معظم التيارات السياسية والحزبية والمدنية، خاصة فيما يتعلق بتلمس المشاكل والحلول، وربما المظالم لمعظم المجموعات والجماعات والتنظيمات وذلك لتناولهم الموضوعي للقضايا. ثانياً: يأتي السؤال عن توقيت إعلان المذكرة وتسليمها لرئاسة الجمهورية.. الملاحظ أن المذكرة ظهرت للعلن بعد أن أعلنت أمانة مؤتمر الحوار انتهاءها من الحوار، وأنها توصلت إلى توصيات متفق عليها، وتوصيات عليها رأي غالب، وتوصيات مختلف عليها سوف يتم التشاور حولها في الجمعية العمومية للحوار.. وكأن ذلك يوحي بأن أصحاب المذكرة يريدون أن يستبقوا نتائج الحوار!!!. وينشأ هنا السؤال لماذا يريدون استباق نتائج الحوار؟ وعليه لماذا لم تشارك هذه المجموعة في الحوار الوطني؟ أو لماذا لم تقدم التوصيات التي حوتها مذكرتهم من خلال توصيات الحوار الوطني؟ نعلم أن منهم مشاركون في الحوار، وأن بعضاً منهم ظهرت أسماؤهم في كشوفات الحوار وأن الدعوة وجهت لبعض منهم؟ غير المشاركين وغير المدعويين لماذا لم يشاركوا في الحوار؟ ولماذا لم يدفعهم اهتمامهم بالشأن العام أن يبادروا بالانضمام للحوار الوطني؟ وإذا كان لهم موقف من النظام؟ فإن الرئيس الذي رفعوا له مذكرتهم هو رئيس النظام!! على كل حال لا نجد لهم أي عذر في عدم انضمامهم ومشاركتهم في الحوار، وتضمين توصياتهم في توصيات الحوار، مما يثير كثير من الشكوك في هذا الموقف وفي هذا التوقيت، ونربأ بهم أن يكون ذلك مرجعه دوافع شخصية!!! ثالثاً: نأتي بعد ذلك الى فحوى المذكرة والتوصيات الثماني التي تضمنتها والتي اثبتناها في مقدمة هذا المقال.. هذه النقاط الثماني التي احتوتها المذكرة ليس فيها جديد، ولا تتناسب مع المكانة العلمية والسياسية والاجتماعية التي تحتلها هذه الشخصيات المشغولة بالشأن العام.. لا يظهر فيها أي جهد فكري غير عادي، ولا تظهر فيها أية حلول عبقرية خلاقة تتجاوز المألوف والروشتات المحفوظة لكل من يدعي أنه يسعى إلى حل الأزمة السودانية. المذكرة للأسف الشديد لا تختلف عن الممارسات السياسية في معظم دول العالم الثالث، التي تمارس فيها السياسة عن طريق الشعارات، التي لا تصاحبها برامج تفصيلية لتحقيق هذه الشعارات.. المذكرة هي وصفة لعلاج مظاهر الأزمة وليست وصفة لعلاج جذور المشكلة كوصفة الطبيب لمريضه باستخدام (البنادول) لعلاج الصداع الناتج عن إمساك حاد. لم تذهب المذكرة إلى تشخيص المشكلة السودانية ودراستها لمعرفة جذور أسبابها، وبالتالي كتابة العلاج الناجح إذا كان كيميائياً أو جراحياً، وهنا تظهر الحلول العبقرية والخلاقة للمعالج وليست الحلول المحفوظة من النصوص التي تمت دراستها أو الاضطلاع عليها. أهملت المذكرة أضلاعاً أخرى مساهمة مساهمة فعَّالة في الأزمة السودانية، منها أحزاب المعارضة والحركات المسلحة، وغيرها من القوى التي يمكن التوصل إليها عن دراسة جذور المشكلة السودانية، ولذلك حتى لو استجابت الحكومة لكل مطلوبات المذكرة فإن هذه المذكرة لن يتحقق الهدف منها وهو(الإصلاح والسلام)، وذلك لأن هناك أطراف أخرى أهملتها المذكرة ولم توضح ماهي الوصفة العلاجية التي تجعل هذه الأطراف تتخلى عما تقوم به، والذي هو جزء من عدم الاستقرار وجزء من الأزمة السودانية.