إن أمجاد البلاد أو المجتمعات أو الثقافات قد يكون صٌناعها جماعات أو أفراد تساوي أعمالهم أحياناً أعمال أجيال قد تمتد إلي آجال الله وحده يعلم مداها , ونحن اليوم في محراب واحد من هؤلاء ولكنه قاد اجيالاً هو المرحوم الهرم الفني عيسي بروي أو عيسي أحمد محمد الأمين , أقول هرما لأنه كان يقوم علي ثلاثة أضلاع هُنّ ( شاعر – ملحن – مؤدي ) حيث رحمه الله وهب حياته للإبداع الفني كشاعر وملحن ومطرب بمنهجية سما بها إلي رحاب الوطن الكبير الذي وهبه درر إبداعه الناصع , ثم غني وأشعر لسائر فئات مواطنيه طلاب ومعاقين وسجناء وأطفال وزراع ومهاجرين هذا بجانب أعماله الغزلية والاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى , فالرجل كان يحبه مستمعوه لأنه اشبع فيهم كل غاية وبشتى ضروب الفن و شتى المناسبات الحوافل وبشتى الوسائل وفي شتى الأمكنة , ويتجسد حبه لهم في حبه لوطنه فيهم . كان الراحل عيسى بروي رجل لين الجانب رقيق مرهف عاطفي ملتهب المشاعر تسبق دموعه ابتساماته حين يلقاك , ثم كان فنانا يستطيع أن يحرك وجدان كل مستمع , كان رجلا صفاته متعددة رحمه الله بها وادخله جناته مكرماً كما كان في الدنيا ،رجل كريم مضياف يحل الناس عليه أهلا ويرحلون عنه سهلا , حصيفا في التعامل أنيقا في الهندام , مجاملاً للأهل والأصدقاء والزملاء في السراء والضراء والدليل انه شد الرحال من المكابراب ليجيئني مجاملا وهو مريض إلي حيث أنا شمال دنقلا ب 56 كلم وهل كان ينتظر من عيسي إلا ذلك؟ . وهو الوريث الشرعي لعصارة مكارم الأخلاق والصفات ، التي اجتمعت ثلة من القبائل لتنجبه فهو سليل الملك السكوري الجعلي و النعمان ود قمر المنصوري وسليمان نعمان القراشي , فهؤلاء الأعيان لهم استبسالات شجاعة ووطنيات ذهبية قد أتت بعيسي بروي الوارثها جنسا وأفعالا وتاريخا . كان رحمه الله قد اشتهر بالاسم الفني ( عيسى بروي ) والحديث عنه شائك ومعقد فهو مؤدي أو مغني صاحب صوت شجي أبح مميز أبدع به أيما إبداع ، حتى توج من نادي الطنبور بدرجة رائد ، وهي درجة يستحقها بحق وحقيقة لأنه رائد ومؤسس المدرسة الفنية التي تؤدي أغنيات الطنبور بإيقاع خفيف ، وهي لونية تحسب له وليس عليه بكونها هي سيدة الساحة الآن بعمر تخطى العقود الثلاثة من الزمان وهى قد ميزته عن أنداده آنذاك , بل عبرها انحرف بكل مسارات ولونيات فن الطنبور ،من غير منازع وهي عديدة بحساب الإثنيات (دليب , رتوتي , ريشة , جابودي وفردة ) إلي هذه اللونية السائدة ألان وهذا الاعتراف جماعي ، مصدره آل الطنبور كافة وسرعان ما انتهجوها كلهم ونالت استحسان الجميع ،شعراء ومؤدين ومستمعين وانتشرت حتى عمت كل فضاء رن فيه وتر طنبور . عيسي هو رائد مخضرم لهذه اللونية السائدة الآن في ساحات الطنبور , بل أنه رائد الموثقين للمديح بالطنبور , كما أول من ولج بالطنبور ،عالم الدعاية في وسائل الإعلام الرسمية وكانت لفندق الفيصل في أواسط الثمانينات ،ثم دعاية سوداني الشهيرة أخيرا . إذن سيل إبداع المرحوم عيسي موجود في كل رنة طنبور ورزمة إيقاع ,. وكلما ترنم صادح أو أصغي مستمع أو حبر ناقد في فضاءات عوالم الطنبور لا تعكر ذوقهم قترة ولا تثنيهم عن الإبداع عثرة . أيضا في مجال الشعر ففحولة الشعراء كانوا حينما بدأ المرحوم عيسي بروي يملأون الأرجاء ظهر المرحوم عيسي آنذاك من ديار المناصير إلي ديار الشايقية وبالتحديد في كريمة عاصمة الفن والشهرة حينها ، أتاها وهو غريب ديار وغريب فن لا يسانده شاعر ولا ملحن ،بل كان هو الشاعر والملحن والمؤدي وبرغم هذه الأحادية والتفرد في كل شيء استطاع أن يكون أحد دعامات الفن الطنبوري كما له أعمال موسيقية ناجحة. بهذا يكون الرجل وضع لنفسه عنوانا تعريفياً عريضا , بفنه وبفعاله , ونال بهما بطاقة فنان درجة أولي من اتحاد فن الغناء العام وبطاقة تصنفه رائداً لفن الطنبور من اتحاد فنانين الطنبور , والمؤهل لنيله هذه الصفات والدرجات هو النجاح الذي نهل مصادره من كونه مغامر بفنه لا تثنيه عنه وشاية ولا تقعده نكاية , و لأنه كان مالكا لناصية الشعر وهو سر نجاحه ، وما كان يعتره جبل في أن يقدم الجديد لمحبيه كل أسبوع وكل مناسبة وهو كان رحمه الله متاح موجود بينهم متما قصدوه وجدوه فناً وشخصاً . فهو رحمه الله رجل يعرف قدر نفسه كما صرح شعرا بالآتي : أنا زول نضَيَّف زول صاح أنا زول نضال وكَفَّاح شائل كتابَ وسلاح وصاحبَ تَمور ومراح إذن عيسى بروي عليه ألف رحمة ونور أحق بقدر ما قدم ،أن نرفع الأكف متضرعين متوسلين الي الله أن يتقبله قبولا حسن ويغفر له ويعفو عنه ، و ينزله منزل صدق ورضوان مع من اجتبى , فنحن لا نملك إلا أن نودعك بهذه الدعوات و الكلمات أيها الهرم الراحل عيسى بروي .