هبطنا مطار العاصمة الانجولية لواندا بمعية نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن لحضور قمة منظمة البحيرات العظمى، بعد أن قطعت بنا الطائرة من مدينة نيالا الخمس ساعات وربع الساعة، كانت الأجواء جميلة بالعاصمة النظيفة للغاية، وأنجولا دولة بترولية من الدرجة الأولى إذ تنتج أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط في اليوم، ولذلك طبيعي أن تنغمس في كل متاع الدنيا وتبدو عليها مظاهر التحضر والرفاهية، وإن كانت قد تأثرت بتراجع أسعار النفط في السوق العالمية. وتضم منظومة البحيرات إثنتاي عشرة دولة أفريقية وهي السودان، تنزانيا، أوغندا، بورندي، رواندا، افريقيا الوسطى، أنجولا، كينيا، الكونغو برازفيل، الكونغو الديمقراطية، زامبيا وجنوب السودان. لكن مع طبيعة الأجواء الجميلة والباردة نسبياً كانت القمة ساخنة وكانت مشاركة السودان فاعلة. لواندا : أسامه عبد الماجد علاقات وثيقة يعرف الشعب الأنجولي السودان جيداً، وعلاقة البلدين وثيقة وراسخة رغم عدم وجود تمثيل دبلوماسي ، والذي أتيح الآن بافتتاح السودان لسفارة بلواندا, ولكن معرفة الأنجوليين الوثيقة بالسودان جاءت عندما اقترح الأخير نقل اجتماعات مجلس الأمن إلى أثيوبيا لإعلان استقلال أنجولا وكان صدور القرار من الأممالمتحدة في اجتماع شهير لمجلس الأمن الدولي في العام 1975 بأديس أبابا استجابة للمقترح السوداني وإعلان استقلال أنجولا. كما أن دعم السودان غير محدود لخطوات التحرر وطرد الاستعمار بأفريقيا، وقد دعم السودان أنجولا عقب استقلالها في العام عندما قدم الرئيس الراحل جعفر نميري دعماً للحركة الشعبية الثورية الأنجولية ، كما فتحت الكلية الحربية السودانية أبوابها للضباط الأنجوليين . نائب الرئيس .. خطوة ذكية ضم وفد نائب الرئيس المغادر من الخرطوم سفير السودان بأنجولا السفير د. خالد فرح، والذي لم يتسلم مهام عملة رسمياً، حيث وفقاً للبروتوكول ، يودع الرئيس البشير ويحمل منه خطاب اعتماده, ولكن رأي نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن في قمة البحيرات, أنه محفل أفريقي مهم, كي يتعرف من خلاله خالد فرح على أنجولا ومحيطها فكانت مشاركته مهمة, حيث قام بعمل علاقات عامة واسعة مع السفراء والوزراء من دول المنطقة ، خاصة وأن أول محطة عمل فيها خالد عقب ترقيته سفيراً قبل نحو تسعة أعوام كانت السنغال كما اعتُمد سفيراً غير مقيم لدى كل من غامبيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وساحل العاج، وغينيا بيساو، وجزر الرأس الأخضر كما كان سفيراً للسودان ب (باريس) وبالتالي كانت خطوة تعيينة كأول سفير في أنغولا خطوة صائبة. وأنغولا إحدى المحطات الجديدة للخارجية في إطار الانفتاح على أفريقيا الذي أولاه نائب الرئيس اهتماماً خاصاً. السفارة السودانية.. نافذة على البحيرات أبلغني القائم بالأعمال بالإنابة بسفارة السوادن بلواندا مختار والذي فتح السفارة قبل نحو ثلاثة أشهر ، أنه طيلة الثلاثة اشهر المنصرمة تعرف على عشرة سودانيين فقط يقيمون بأنجولا. وقد يستغرب البعض لمدعاة فتح السودان لسفارة في بلد مثل أنجولا ، لكن الفائدة السياسية كبيرة كما ذكر لي وزير الدولة بالخارجية د.عبيد الله محمد عبيد الله ، الذي قال لي يكفي موقع أنجولا حيث في جنوب الوسط من أفريقيا وتجاورها دول مهمة بالنسبة لنا ، فضلاً عن ذلك أن منظمة البحيرات والتي باتت من أهم المنظمات تحتضنها أنجولا. وقد فهمت من د.عبيد الله أن السفارة ستكون نافذة يطل من خلالها السودان على منظمة البحيرات، وكان الرئيس الأنجولى جوزيه إدوارد دوس سانتوس والذي يحكم بلاده منذ العام 1979م قال في فاتحة القمة إن أقليم البحيرات العظمى جزء من القارة الأفريقية والمجتمع الدولي وإن الصعوبات الكبيرة التي تواجه العالم اليوم لها تأثير في أوضاع كل الدول. وحديث الرئيس الأنجولي تأكيد على أن العالم لا ينفصل عن بعضه وبالتالي قيام سفارة سودانية في تلك الأقاصي الأفريقية مهم جداً وبرز لنا ذلك من خلال زيارتنا لأنجولا. محمد صالح.. قنصل تشادي وسفير شعبي سوداني لفت نظري عند وصولنا أنجولا، ولحظة كنا في صالة كبار الزوار بالمطار، أن مدير مكتب نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن (د. الفاتح الحسن المهدي) انتحى جانباً وتحدث بشكل جاد مع شاب نحيل طويل القامة، بدأت ملامحه سودانية مائة بالمائة ثم تحدث الشاب إلى د. الفاتح الذي أصغى إليه جيداً ودوّن بعضاً من حديثه في مفكرة صغيرة كان يضعها تحت سترته. توقعت لحظتها أن يكون هو القائم بأعمال سفارة السودان بالعاصمة الأنجولية لواندا ثم تجاذبت أطراف الحديث مع موفد الإذاعة الزميل الإعلامي أزهري, دقائق معدودات وبدد د.الفاتح حيرتي وعرفني بالشاب قائلاً : ( محمد صالح القنصل الفخري لتشاد بلواندا). ياله من كنز ثمين .. كان محمد هو البوصلة التي اهتدينا بها في أنجولا ، سيما وأنه يجيد اللغة البرتغالية التي تتحدثها أنجولا والتي كانت مستعمرة للبرتغال لنحو ثلاثمائة سنة .. تعرف د. الفاتح على محمد من زيارتين سابقتين له لأنغولا كما أن صالحاً وثيق الصلة بنائب الرئيس. سهل لنا محمد كثيراً من مهمتنا ، و كأنه واحد من الوفد السوداني, وهو يتمتع بعلاقات وصلات واسعة في أنغولا ويعرف عدداً كبيراً من المسؤولين هناك ، كما أنه ساهم بشكل كبير في توثيق علاقات بلاده تشاد مع أنجولا توجت بزيارتين لرئيس بلاده إدريس دبي إلى لواندا وهو يقيم هناك لأكثر من عشرة أعوام ، ويبدو ميسور الحال. عرفني الصادق بعدد من الصحفيين الأنغوليين وآخرين من القارة السمراء ناطقين باللغة الفرنسية التي يجيدها هي الأخرى بجانب العربية بكل تأكيد، وأبدى عدد منهم سعادتهم بمشاركة السودان في القمة وحرص نائب الرئيس على المشاركة. أحدهم وصف الرئيس البشير بالحكيم كونه أعاد علاقاته مع الرئيس الأوغندي يوري موسفيني ، وزار كمبالا بعد قطعية طويلة, وامتدح احتضان الخرطوم لجامعة أفريقيا العالمية. كان محمد رهن إشارة كل الوفد ويتحرك بحماسة وفاعلية، وحتى عندما تأخرت البطاقة الخاصة بالمصور التلفزيوني نادر، سارع محمد لحل المشكل بالتعاون مع مسؤول المراسم برئاسة الجمهورية (سودان) مضوي والذي يجيد هو الآخر الإنجليزية والفرنسية والسواحلية.. صالح زار السودان مرتين من قبل ، وقدمت له الدعوة لزيارة الخرطوم مجدداً ، وقبل دعوتنا ، كما أنه دعانا لزيارة أنجولا. لواندا .. أروع مدينة إحدى الأغنيات تقول لمدينة جوبا أروع مدينة ولكن الروعة الحقيقية في العاصمة لواندا وهي أكبر مدينة في أنجولا من حيث عدد السكان والأهمية و الميناء الرئيسي والمركز الصناعي والثقافي والحضري كبير. وقد علمت أن ربع سكان أنجولا الذين يقدر عددهم ، بنحو أربعة وعشرين مليوناً يقيمون بالعاصمة ولذلك كانت ملاحظتي الأولى عن المدينة هو اكتظاظها بالسكان وصعوبة الحركة فيها وتعد المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم ، كما أنها ثالث مدينة في العالم ناطقة بالبرتغالية من حيث عدد السكان تلي المدينتين البرازيليتين (ساو باولو) و(ريو دي جانيرو). أوغستينو.. صانع الحرية الأنجولية في كل دولة أو مدينة بعينها ، رمز أو معلم يتطلب أن تزوره أو تتعرف عليه والقول المشاع (ما زرت كذا معناها مازرت تلك المدينة) ، ولعله ما من زائر إلى أنجولا أو عاصمتها لواندا ما شاهد تمثال أوغستينو نيتو ، إلا ويحسب في عدد (غير الزائرين) .. ونيتو هو الأب الروحى للثورة الأنجولية وصانع حرية بلاده ، وقد نصب له ثمثال عملاق في المدينة وكنا نمر بجانبه صباح مساء لثلاثة أيام وفي كل مرة يشير سائق العربة لينبهنا لقائدهم الملهم نيتو والذي توج بجامعة حكومية تحمل اسمه ، ومكان تمثاله أقرب مايكون لمزار مريدين لشيخهم. وللسفير عبدالرحمن حمزه نائب مدير الإدارة السياسية برئاسة الجمهورية معلومات غزيرة عن أنجولا وزعيمها نيتو ، وقد أمتعنا بالحديث عنه .. وقد تحررت أنجولا من الاستعمار البرتغالي في العام 1975م. وكانت لواندا في القرن الخامس عشر ولثلاث قرون مركزاً لتجارة العبيد. وبالنسبة للإسلام فإن أكثر من نصف سكان أنجولا كاثوليك والمسلمون أقلية معظمهم مهاجرون من بلدان غرب أفريقيا أو من لبنان, وقد قدم لنا مدير مكتب النائب د. الفاتح الدعوة لمأدبة بمطعم لبناني إلا أن الوقت لم يسعفنا لتلبيتها واقترح الشاب النشط بمراسم الرئاسة الواثق نقلها للخرطوم.