يقول الدكتور سراج الدين : إن التغيير يتطلب خلق المجتمع الذي يمتلك أفراده الخيارات التي توصل الى الرفاهية الاقتصادية بعيداً عن السيطرة المركزية. إدارة الاقتصاد الوطني في ظل عالم يمر بتحولات كبيرة وسريعة وخطيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتطلب أدوات وآليات تتمسك بتوطين العلم والتقانة والإنسيابية لخلق اقتصاد وطني تبنيه سواعد بنيه، ويتجنب الغرق في النظريات ونقل أنظمة التطور الخارجي دون تمحيص وغربلة، ففي السم الدسم.. والتطور الاقتصادي لا يعني فقط طرقاً فسيحة ومنسقة وشوارع جديدة ومرصوفة ولامعة وسيول متدفقة من السيارات والعمارات الشاهقة .. فكل هذه المادية تصنع مدنية، ولكن لا تصنع حضارة، وينبغي لنا ألا ننشد القناعة أيضاً في كل ما يحيطنا أياً كان والرضاء بالأشياء كما هي وعلينا نهج نموذج التطور الغربي يتبدي الذي يفي تصميمهم، دائماً على تحسين أحوالهم من الشمعة الى مصباح الزيت، ومن مصباح الزيت الى فانوس الغاز، ومن فانوس الغاز الى المصباح الكهربائي، وسعى الغربيون الى مزيد من الإضاءة الباهرة لا يتوقف قط وهم يبذلون أقصى الجهد للقضاء على أشد الظلال ضغوطاً.. الطاقم الاقتصادي الذي يدير شؤون الاقتصاد والمالية والنقدية يواجه سيلاً من المشاكل الهيكلية واليومية، ويتحمل إرث أجيال من التشوهات الاقتصادية الداخلية ومقذوفات من الضغوط الاقليمية والعالمية، كما يعاني من اختلالات متوطنة في شعب ينتج أقل مما يحتاج إليه، ويستهلك أكثر مما ينتج ويستورد أكثر مما يصدر ويتعرض بسبب تداعيات الصراع السياسي الداخلي وتدويل مشاكله الى عقوبات عالمية، ضربت الاقتصاد الوطني في أعماقه.... بجانب مرارات الهجرة غير المقننة من دول الجوار المحيطة به.. هجرة ليست للعقول وإنما للعوام من سكان الجوار يتقاسمون -وهم بالملايين- الموارد النادرة ويحولون جزءاً لا يستهان به من العملة الأجنبية الشحيحة لبلادهم . ويقف القطاع الخاص كالسيف وحده يواجه سياسات غير مواتية ومرارات خارجية بسبب المقاطعة الاقتصادية الأمريكية وضعف البنية الهيكلية للاقتصاد ونطاح سعر الصرف بين عملة محلية انفلتت قيمها، وسوق استسلم لرياح الركود التضخمي، واقتصاد يجري تفاصيل من خبراته خارج إطار المؤسسية .. يوظف موارد ضخمة من الكيكة الصغيرة تصرف لتحقيق الأمن في ربوع البلاد، حيث لا يمكن أن تتم تنمية بين فوهات البنادق وحفر الخنادق. تدير إدارة اقتصاد السودان الاقتصاد في أقسى الظروف المادية والمعنوية، وبمعايير صعبة تتطلب من الطاقم الاقتصادي وتيرة عالية ومشاركة في القرارات في ظل تحولات متسارعة وفي بيئة أقتصادية تعاني فجوات الميزان التجاري، الذي أصبح راجح الكفة للواردات، مما يعني الانكشاف للاقتصاد العالمي في وقت ينام السودان فيه على ثروات ضخمة في باطن الأرض وظاهرها، وهو وضع يخذل اي دعم يقدم للسودان باعتبار أن الفجوة الاقتصادية ناتجة عن عدم استغلال الموارد والثروات الضخمة وبديلاً عن ذلك اتجه دعم الدول الى الاستثمار المباشر، وتعزيز قدرات السودان الاستثمارية ..مما يلقي على عاتق الإدارة الاقتصادية والدولة أهمية مضاعفة الجهود لتحسين البنيات الأساسية والسير قدماً في منهج الإصلاح السياسي والاقتصادي في الظروف المواتية التي خلقها مناخ الحوار الوطني. إن إدارة الاقتصاد الوطني ليست مسؤولية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ولا الطاقم الوزاري والتنفيذي للنظام الاقتصادي، وإنما هي مسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.. والجهود المبذولة من القطاع الاقتصادي هي جهود مقدرة تتم في ظروف في غاية الصعوبة، تتمثل في ضعف الإنتاج والخلل في ميزان المدفوعات والميزان التجاري وفجوة النقد الأجنبي وطغيان الاستهلاك على الإنتاج والاستيراد على التصدير وتمحور النشاط الاقتصادي في قطاع المضاربات والخدمات.. والمطلوب حركة اقتصادية شاملة تعزز قيم الإنتاج والإنتاجية للتصدير وترشد الصرف وتعلي قيم الوطنية ويظل طاقم الإدارة الاقتصادية مقاتلاً في جبهة تحمي الوطن وتتطلب المشاركة الفاعلة من الشعب في إطار الشفافية والحوكمة، وتمليك الحقائق للشعب، ورفع شعار الاعتماد على الذات كشعار مركزي تتمحور حوله السياسات الاقتصادية. وبالله التوفيق ،،،