ظللنا في (آخر لحظة) على مدى سنوات التأسيس نحاول ونسعى لاستنطاق الباشمهندس الحاج عطا المنان إدريس حول ملفات عديدة، أمسك ببعضها وشارك في الكثير منها، لكن الرجل وربما للعلاقة العضوية التي تربط بينه وبين (آخر لحظة) ظل يستعصم بالصمت. وامتدّ صمته لبقية الصحف الأخرى التي حاولت أن تستنطقه على اعتبار أنه شاهد على عصر الإنقاذ، وقريب من مراكز اتخاذ القرار لسنوات عديدة، وعضو ملتزم بالحركة الإسلامية منذ أن انضم للجبهة القومية الإسلامية قبل ثمانية وعشرين عاماً.. طال أمد الصمت مع الوعود بالحديث.. واحترام البعض هذه الرغبة إذ وضح أن الرجل لا يُريد أن (يُبعثر) المعلومات المُفيدة أو المُضرة - عن نظام أسهم في بنائه وتأسيسه، وشارك في صناعة القرار داخله من المواقع السياسية والتنفيذية، وهو يشعر بأنه مستقل في إبداء الرأي داخل منظومة الحكم إلا أنه يلتزم بقرار الحزب والتنظيم حتى وإن خالف مراميه السياسية.. وكان مع ذلك يقف على رأس عدد من المؤسسات والشركات المالية الخاصة والخيرية، وقد تجاوز رأس مال الأخيرة الثلاثين مليون من الدولارات. ثارت قضايا ذات صلة بالباشمهندس الحاج عطا المنان استوجبت التوضيح والإبانة، لذلك لم يكن أمامنا إلا أن نحاول وضع النقاط على الحروف لنخرج بأكثر من حلقة من الحوار مع الرجل.. جاءت كما يلي:- هناك اتهامات حول الإمساك بملفين مع بعض في وقت واحد أو ما شبه بزواج الأختين «التجارة والسياسة»، فكيف يوفق الحاج عطا المنان بين العمل في المجال الاقتصادي المستقل تماماً عن الدولة وبين العمل مع مؤسسات الحزب؟ وهل يتأثر أداؤه سلباً أو إيجابا أم يحقق إضافات لحزبه؟ أقول بوضوح حرمت الشريعة الجمع بين الأختين إلا ما قد سلف.. فأنا أقول وأوصي وأحيانا الشريعة أن يجمع الإنسان بين المهنة الاقتصادية التي يمكن أن ينفع بها نفسه ومن حوله وبلاده، وبين العمل السياسي، لأن العمل السياسي في معظمه عمل طوعي.. والذي يريد أن يقول رأيا أو يقدم خدمة أو نصيحة لابد أن يملك قوته، ومن لا يملك قوته لا يملك قراره. وبالتالي فمن لم ينجح في مهنته لن ينجح في السياسة، وأي شخص غير ناجح في مهنته لا ننتظر منه نجاحاً في السياسة. هل تفتكر أن مثل هذه الاتهامات منطلقة من منصة جهل؟ منطلقة عن جهل وضحالة فكر، ذلك لأن الاقتصاد وكل العلوم تصب في مصلحة السياسة، فمثلاً في الهندسة آخر علم يدرس علم التصميم ومبادئه لتحقيق الجوانب الاقتصادية، فالهندسة في نهاية المطاف اقتصاد.. والآن كلما جلس الناس في صراع يتحدثون عن السلطة والثروة أيهما أسبق لا أدري، والآن الناس يتحدثون عن الاقتصاد الهندسي أو السياسي أو الاقتصاد والعلوم السياسية، فمن يتحدث بهذه الفكرة ينم عن ضحالة في التفكير وعدم عمق في التجربة، والشيء المهم أن لا تكون التجارة ما بين المهنة وما بين العمل السياسي وعدم الربط بينهما، حتى لاتكون هنالك شبهة، ولكن الإنسان عندما يتقن عمله يمكن أن يقدم الكثير في السياسة. هناك اتهام للحاج عطا المنان بالاستفادة من الغطاء السياسي في مشاريعه الاقتصادية، بالذات في شريان الشمال؟ أريد أن أبرز شيئاً مهماً جداً، وهو أن شريان الشمال شركة وقفية لله سبحانه وتعالى، ورأسمالها الآن يتجاوز ال«30» مليون دولار، وكل أرباحها في نهاية العام تذهب لأعمال الخير وعلى رأس ذلك المياه، والحاج عطا المنان لا يتقاضى منها أي مليم.. أما الأعمال الخاصة فلا صلة لها البتة بالدولة لامن بعيد أو قريب. ألم تستغل منصبك السياسي طوال حياتك لتحقيق مكاسب اقتصادية؟ أبداً، بل العكس السياسة جاءت خصماً على العمل الاقتصادي الذي أقوم به.. فمثلاً فترتي بدارفور تأثرت بها المؤسسات، وعلى رأسها بنك التنمية وشريان الشمال بصورة واسعة، فالذي يطلع على ميزانياتها يجد التأثير بصورة واضحة، وحقيقةً أقول إنني أعمل مقاولاً وأعمل في السوق منذ 1984، ولذا مرت عليَّ كل هذه الحقب السياسية وأنا في السوق. هل تعتقد أن الذين يثيرون مثل هذه الأقاويل يدخلون في خانة العداء السياسي أم الشخصي؟ لا أدري من يتحدث، ولكن كل ذو نعمة محسود. ألا ترجح مسألة الخصومة السياسية؟ والله كل شيء وارد، ولكن كل ذي نعمة محسود . من هم المساهمون والمؤسسون الأوائل لشريان الشمال؟ هم مجموعة من الخيرين دخلوا بأسهم وقف، ودخلت المؤسسة العامة للكباري آنذاك بنسبة بسيطة، وساهمت الولاية الشمالية والخرطوم، والحكومة مساهمة ب15% وعلى فكرة أسهم الحكومة أرباحها ترجع لها، أما بقية الأرباح تذهب لأعمال الخير. هناك حديث عن أن كل الطرق التي شيدتها الشركة الآن هلكت.. هل هذا حقيقي أم ماذا؟ وهل كانت الشركة تنفذ دون مواصفات جيدة؟ أولاً للطرق مواصفات بدرجات مختلفة، يمكن أن تبدأ بالدرجة العاشرة وحتى السيوبر، وحسب قروشك وإمكانياتك وتصورك للدراسة الاقتصادية للطريق تنفذه.. وبشهادة كل الشركات وكل المعامل والاستشاريين فإن شريان الشمال أميز شركة في مجال الطرق حسب المواصفات المطلوبة، والطرق عندها عمر افتراضي ولا تعيش طول الحياة، و على سبيل المثال هناك طرق تعمل بما يعرف بالخلطة الباردة والمعالجة السطحية وهذه عمرها الافتراضي «4» سنوات فقط، ونحن نفذنا طرقاً ظلت تعمل «10» سنوات ولم يحدث بها شيء. هل تسلمونها لجهات مختصة؟ نحن نشتغل تحت إشراف جهات هندسية طبقاً للمواصفات وعلينا ضمانات لكل طريق.. ثانياً : لابد من إعادة تأهيل الطرق بعد عمرها الافتراضي، وعلى الدولة القيام بذلك، فمثلاً طريق « الخرطوم مدني » تم تأهيله أكثر من مرة.. وأي طريق نفذته شريان الشمال الآن يختلف عن بقية الشركات. هناك حديث بأن الحاج، نتيجة لصعود اقتصادي سياسي، أُقصي من مركز القرار داخل الحزب وكُلف بمهام تنظيمية في الأقاليم نتيجة لهذا الصراع، هل هذا حقيقي؟ وهناك إبعاد للحاج من العديد من المناصب خاصة وأن هناك من طالب بتوليك بعض المناصب المختلفة، وهل هذا إقصاء أم عزوف عن هذه المناصب؟ أقول إن العمل العام تكليف وليس تشريف، وأنا حقيقة لدي اعتقادات ورؤى في أن الإنسان لا يطول في الموقع ويكفيه أن يقدم ويترك الراية لغيره حتى يواصل، وتظل علاقاته وذكراه مستمرة مع الناس، ولو قيل لي اختر لنفسك، ما كنت أتوقع أفضل من أن أخلي الموقع بهذه الصورة، وحقيقة خرجت من كل المواقع التي كلفت بها منذ مجيء الإنقاذ، وأنا راضٍ تماماً عن ما قدمت وشاعر برضى كبير وعلاقة حميمة مع من عملت.. وبالنسبة لدارفور أقول لك بعض الأسرار ولأول مرة أذكرها، حينما وقعت اتفاقية أبوجا، بعد أسبوع فقط قدمت طلب إعفاء للسيد رئيس الجمهورية وقلت له الآن جاء السلام لدارفور ونحن الآن نعطيك المجال ونفسحه لمن تم التوقيع معه لتولي زمام الأمور في دارفور، وسلمت صورة من هذه المذكرة للأخ الراحل د. مجذوب الخليفة، وحدثت الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية وقال لي هذا موقف مسؤول.. وعلى الرغم من ذلك استمريت حوالي العام ولا يوجد منصب اعتليته إلا و طلبت الإعفاء منه وأفتكر أنني وصلت مرحلة في أني قدمت ما عندي ولن أستطيع أن أقدم أفضل منه.. أما عن تولي المناصب التي ذكرتها فكانت هناك أشواق ناس بأن أتولى بعض المناصب، ولكن اعتقادي الشخصي بأنني أقدم من خارج هذه المناصب أفضل مما أقدم وأنا أتولاها، بل العكس أُقدم بحرية وأريحية وفي أي وقت، وغير محاسب على ما أقدم لأهلي دون مَن ولا أذى، والشمالية «أنا ما مشحود عليها»، وما قدمته مع إخوتي وزملائي واجب، ولدارفور والخرطوم كذلك واجب، وأنا حقيقة عازف عن هذه المواقع صراحة..