نحن الجيل الذي جفّت عنده الغُباشة، فلا نكاد نجدها إلا في أشعار عاطف خيري، أو في القصائد البعيدة، أو في الكنابي التي تبعد عنا بقرية أو قريتين، قبل أن يتم إزالة آثار العُدوان. حسب حالة التشويه الذي عشناه، ليس هناك حلال، إلا هذا الشربوت. بعد تجفيف المنابع، لا شيء تستطيع إحصاء تبِعاته. كلما حاولوا إحكام تطبيقهم، زاد الفجور، واستشرى الفساد في البر والبحر. الفقراء محرومون من فطورهم، وماهو أكثر من ذلك، مُتاح للأغنياء، وللكُبارات، والخواجات..و(أرقُد يا عيش، ياني جُرابكْ)..! هوس التجويع وإعدام الثقافات والتنوع، غيّبَ عن المدرسة ذاك التلميذ، الذي كان يغفو في الحصة الرابعة، وعندما تسأله: يا ولد بتنوم ليه في الحصة..؟ يقول ليك، بكل عفويّة: يا أُستاذ.. أنا فاطر بي بَغُو..! البَغُو، يُصنع من الدُّخُن ..حتى هذه، أضحت من حظ رأسمالية الكيزان.. وعمنا اب قمصان، قال لي ولدو بُشرى، والذي كان زول طشمة: يا ولدي إنت بقيت زول كبير، وعندك نَسَابة، ليه ما تعقل شوية، وتخلي الشّغلة الخرقا، البتسوي فيها دي..؟ رد عليهو بُشرى : خرقا كيف يا أبوي، وعبّارين بس منّها، يخلو الدنيا دي كلها تبقى حقتك..! والآن يتقرفص الانفصاليون، ويتاوقون لتعسيلة نيل السافنا، تحت ضجيج الحرب ..للبسطاء تمبارتِهم، إذا ما تركتهم الخرطوم في حالهم.. التّمبارة بِتّْ (أُم كِسرة ) بقايا العُواسة توضَع في الزِّيرْ، وتضاف إليها الزريعة،، ولا يُضيفنَ بها إلا الحبيب الأريب كاتم الأسرار، و... (تعال لاجُوّا، أشرب ليك حبة تمبارة، ولابِسوِّى شيء(..في إشارة لطيفة إلى مشروعية شرابها أولاً، وإلى خلوها من الآثار الجّانِبية. ودْ مَعوك، عليه الرّحمة، عندما تم ضبطه متلبساً بجردل كبير ملئ، بما لذ وطاب من التّمبارة، إبان شريعة النميري، جُلدَ كذا جلدة معتبرة ..بعد فراغ العساكِر من وظيفتهم، قال للقاضى، الذي قرّعه على فعل المنكر: )إيّاهو لبناً ما بْنخلّيهو(..! إنّها الغبْشا، لبن) فِري)..الغبْشا لبن الفيل، حلّابَتا عَوين..أُختها من الرِّضاعة ، (قام زووتْ)، وأُختها بِنْت السِّمسِم كونجومورو.. فرزها الأوّل، )شايب دَقَشا شوك(، وفرزها التّاني، (فكي نسى إبريقا).. والبقارة قالوا، (الشاي دا، ياهو مريستنا مع الرجال).. في دارفور، الغُباشة هي شراب المسلمين.. وعند أهل المِحاية، فإن الفكي الحار)يشربْ حَار، ويكتبْ حَار)..! وقد كانَ للمعوكابي غِناؤه: صَلاة نصلّو، والصيام نَصُومو، وأُم بَليلي ما نخلّوا..! وفي نواحي بليلة هناك مثل يقول :(تاركة مصفاي، ما عندها جُوداي).. يعني المرا التي تترك مصافِيها، مافي زول بيجي يكون ليها جودية، إذا حصلت مشكلة ليها مُشكِلة..! وناس الحِلّة هِناك، شافوا ليهم زول من بعيد ماشي على محل الغُباشة.. إتغالطوا فيهو، هل هو قريب واللّا غريب ..أخيراً اتضح إنّو خواجة، فقالوا: سبحان الله، الخواجة دا، متين دخل الإسلام..؟ وفي ضُنقلة العجوز، أول معقل للإسلام في السودان، قيل في شأنها: غُباشة خدرا ضَهَرْ كديس، تَخِيني، يَجْرِي فوقا السِّوْسِيوْ.. غُباشة أُم فندوك، ترمي في الشوك.. إنْ مَات فكِي غيرو في.. وإن مَات مَدّاح، بلا وزاح .. وإن مَات مرّاسي، فرْقو علينا قاسي ..وقِيلَ، أن عجوزاً نوبياً سألَ صِحابه، وهم يادوبك بدأوا، في اعتماد أوراقهم الرّسمية: إنت يا هاج ساتي.. مرة مرة كِدا، باقة صغيِّرْ بتكفينا، ومرات باقة حجم عائلي، مايعمل لينا حاجة..؟ رد عليهو حاج ساتي قائِلاً: الحِكاية دا، إظِنو، توفيق مِن ربُّنا..! كان زمن التمبارة زمانَ خير.. مطر ولحم ولبن وسمن، وقلوب صافية ما دخلا حسد.. قبل الأديان، عرِفت الإنسانية، البُقانة والكوشيب، إلخ..عرِفتها وهادنتها، ولم تقطع معها صِلات الأرحام.. الغُباشة، زرِعْ بِلادنا، وطَحين أُخواتنا ..أها، الحُرمة جَاتا من وين..؟ أكان ما الفُقرا شُغلهم بلباص، هي حلال، من زمن، الوُرّاث..! و(يا حانةً مفروشةً بالرّمل)..!