مع برودة الأجواء الشتوية، والشتاء أجمل فصول السنة بالبلاد لأننا لا نعرف الربيع وأزهاره وأطياره ونسائمه الفواحة، فبلادنا تنعم بثلاث فصول وليس أربعة كبقية بلاد الدنيا، أقول مع برودة الأجواء الشتوية إزدادت حرارة الأجواء السياسية والتعبئة والشحن المضاد وأصبح بعض الساسة ومحبو الإطلالة الإعلامية يسيطرون على وسائل الإعلام الداخلية والخارجية منبرين لتشويه وجه البلاد والكيل للحكومة، لكنني أتساءل عن تناقض الحركة الشعبية الشريك بهذه الحكومة التي تصادر الحريات ولا تحترم حقوق الإنسان ومع ذلك تعطي الرواتب والامتيازات لمن يسبونها علناً أمام الفضاء المفتوح ، فمن الغرائب أن تطمع الحركة الشعبية في الدورين معاً حكومة ومعارضة، وبالأمس القريب كنت استمع لإذاعة (البي بي سي) ففوجئت بقيام المسيرة السلمية التي اعترضتها الشرطة ورفعت بعض القيادات على كومر للشرطة، رغم أن المسيرة كانت لغرض معين وانتفى هذا الغرض بالاتّفاق بين الشريكين، والأكثر غرابة أن تتحدث مريم الصادق من داخل الكومر وتصف الأجواء داخل كومر الشرطة وأن الحكومة اعتقلتها وبعض القيادات ولم تمنحهم حق التعبير السلمي، عجبي أن تتحدث مباشرة مع (البي بي سي) ومقدم الأخبار من داخل الكومر وتحاول ان تكمل حديثها دون أن تتوقف حتى لمضيفها وهو يكرر عليها السؤال! فكيف تم لها ذلك، وأين مصادرة الحريات وهي تتحدث لإذاعة عالمية حول انتهاك حقوق الإنسان في السودان، فهل هذا الإحماء هو الاستعداد لاكتساح الانتخابات القادمة أم هو تشويش وتخريب لمنع الانتخابات، التي طعنوا فيها منذ الآن. المركبات العامة تصبح أماكن للفضفضة والتنفيس من خلال الحكاوي والشكاوي دون الانشغال بالموجودين وكأنهم أقرباء هؤلاء المفضفضين، أحدهم يبدو عليه التعب جلس على أول مقعد وجده وبدأ يعبث بهاتفه الجوال وفجأة جاءته مكالمة كأنما ينتظرها ليبدأ في سرد الحالة (والله الليلة مفلس فلس لمن ما قادر أشوف قدامي ياخي أنا جيبي دا لمن يفضى من القروش بتجيني حالة تانية ببقى ما شايف القدامي) وما أن ذكر حاله حتى تململ من بجواره ووسع المسافة بينهما وغيّر مقعده في أول محطة نزل فيها أحد الركاب. إحدى النساء يبدو أنها خرجت غاضبة من منزلها أجرت اتصالاً غاضباً مع إحداهن (والله السماء دا قريب إلا يشوف حلمة أضانو أنا الحقارة ما بتنفع معاي والله إن ما خفت كلام الناس كان قددت ليهو عينيو ديل أخليهو لا يعرف مسا من صباح قايلني بنحقر ليهو والله دا كلام دا) واسترسلت دون أن تعي أنها إنما تمتطي مركبة وليست في بيتها وهؤلاء غرباء, وفي بعض الأحيان تجد أكثر ركاب الحافلة يتحدثون بالجوال فلا تستطيع أن تميز أين أنت تحديداً وتصاب بصمم وقتي من كثرة الضجيج سيما وإن صاحبه شريط غنائي لمطرب مجهول يزيد الطين بلة، الشباب بنين أو بنات غالباً حديثهم حول(أها حنتقابل وين قلت لي) أو (والله المحاضرة دي أنا داكيها) أو (بالله لسه ما غيرتي تلفونك الشين دا) وهكذا تصبح المركبة العامة حالة من الحالات ويمتلئ رأسك بهواجس وقضايا ومشاكل الركاب وتبدأ تبحث عن النهايات حتى يأخذك أمر آخر أو تستقل مركبة أخرى ، هذا غير التعابى الذين يروحون في نوبة نوم سريعة حالما تتحرك المركبة.. كيف يمكن أن نستغل الوقت المهدر في المركبات العامة ولماذا لا نفعل مثل اليابانيون الذين يقرأؤن حتى وهم يسيرون على أقدامهم، ومتى نعي أن المركبات العامة ملك للجميع حتى لا يفرض أحدهم أو إحداهن مشاكله الشخصية على الركاب الذين هم أيضاً لهم خصوصياتهم التي لا يحبون أن يطلع عليها الآخرون، متى يتعلم البعض احترام وحرية الآخرين ويعلمون أن حرياتهم تنتهي حينما تبدأ حريات الآخرين والسلوك الحضاري هو أحد مظاهر الرقي فلنترتقي بسلوكنا وتعاملنا.