لا تقل قبة البرلمان الثابتة هي كل حراك السياسة في هذه البلاد، فهناك برلمانات كثيرة تلقي ظلالاً على ما يدور داخل مجتمعاتنا بحكم أنها الأقرب والأكثر التصاقاً.. برلمان الشارع.. برلمان المركبة العامة.. برلمان بيت البكاء.. برلمان العرس و.. و.. كلها ملمات يجد فيها «محمد أحمد» النفس والفرصة المواتية «ليفرغ معدته» المحتقنة ببعض الهضم الحياتي اليومي الصعب الذي يعلق في وسط قنوات الهضم والتخلص.. «يا جماعة الحلل شنو.. هل ندخل في مقاطعة كل السلع مرة واحدة.. فرد مرة.. نخلي الأكل والشراب ونصاقر المقاطعة دي لحدي ما نشوف آخرتا.. ولا نعملها بالجزء.. يعني نمسك مقاطعة اللحمة لحدي ما تدق الدلجة.. ونرجع ليها.. نقوم نمسك مقاطعة الزيوت لحدي ما تدق الدلجة نرجع ليها وكدا.. ولا ندخل في اضراب عن الطعام لحدي ما ندخل في كومة السكري..» فيقاطعه عمك «يا ناس انزلوا على الصواني.. البعز المرحوم يخلي النضم الكثير دا ويتفضل على الغداء».. فيدرك أنه الوحيد الذي يحاول أن يجرجر الناس لعالمه.. «ما ترى يا هم ديل يأكلوا ويهضموا ساي..».. «أنا مالي ومال الناس لي بيتي وبس».. ليخرج من بيت البكاء على «الحافلة عدل» ليدخل في برلمان متحرك أكثر تنوعاً ليرى الطاهر سائق الحافلة وسامية الراكبة الغاضبة على الكل الصاعدين والنازلين يتشاجران حول وقوف الحافلة المتكرر في كل محطة ليتدخل زولك بكل وقاحة.. «انتو يا جماعة في المحطات المتكررة ولا في الحالة الواقفة تب دي.. محطاتكم بتصلوها.. لكن واصلين عشان تعملوا شنو؟.. الله يديكم رأسكم دا يا مغبين».. والبرلمان المتحرك يواصل وقوفه نزولاً وصعوداً الركاب من داخله إلى خارجه وبالعكس وزولكم يتنهد «أووف.. أووف.. حيرتونا ذاتو.. نعمل معاكم شنو.. انتو البرود دا نزل عليكم من متين يا ناس».. لترد عليه سامية بشكل قاطع «يا زول انطم طماك الطمّ جدي كمان عايز تنظر لينا.. ناقصينك ما كفاية السايقها دا.. هسه بخلي الركاب ديل يلفوها معاك.. قال الحالة واقفة قال».. «إنتي يا اختي موكلينك الجماعة ديل ولا شنو.. ولا قايلة روحك مندوبة الأمم وسط الركاب.. ما تخلو الوصاية القائمين بيها دي من غير تكليف.. هسه وريني ياتو راكب الحيقوم يلفها معاي.. هوي يا ركاب الداير يلفها منو؟».. ليتلفت نحوهم ليجد كل واحد منهم في بحره سابحاً.. الراكب في الكرسي الفرداني متكور يميناً مع جواله في حالة انفصال تام عن العالم وهمسه يستعصى على أجدع رادار أن يلتقطه.. والآخر في الكرسي المقابل لباب المركبة مبحلق في صحيفة رياضية شيقة.. والأخت في الكرسي الآخر تحتضن صغيرها وفي زاوية أخرى تقوم برضاعته بسترة كاملة.. والشابة في الكرسي الأخير تصتك العلكة بطريقة سافرة وتلاقط ببياض وسواد عيونها الركاب.. والأخرى في الكرسي الزاوية تضع الأحمر على الشفاة وتخطط الحاجب كما وزارة الهندسة مع طرقها التى كلما جاء خريف.. «آسفة» أقصد كلما احتاجت لمكياج وتجميل حللت الشوارع إلى عناصره الأولية كما تفعل تلك الصبية بوجهها المزيف.. عندها اقتنع زولك أن لا أحد في البرلمان المتحرك يهتم له ليواصل «الداير يقلعنا من الحافلة دي اليجي مارق.. واللا يورينا حيعملها كيف». آخر الكلام: برلماناتنا الكثيرة هذه الأيام دلالة على حراكنا الدائم وحالتنا المحتشدة بكل طيوف الانفعالات . مع محبتي للجميع.. سياج - آخر لحظة [email protected]