نظراته الفاحصة التي يرمق بها المرضى واختياره لركن قصي خلف مدخل الباب مباشرة، وملابسه الرثة المتسخة، وشعره الأشعث الكثيف ومراقبته للأشخاص عند دخولهم وهو يفرك راحة يديه بالأخرى، كل ذلك دعاني للشك في ذلك الفتى العشريني، فسمرت عيناي عليه وأنا ألحظه من بعيد، حيث نحن جلوس قبالته في تلك العيادة الشهيرة برفقة والدتي- متعها الله بالعافية- في انتظار دورنا لمقابلة الطبيب المختص، ولم تتحرك طرفاي خشية أن يفلت مني ذلك الفتي الذي هو (قطع شك نشال أو نصاب) يحاول جاهداً الإيقاع بفريسة (مااااااكنة) من المرضى أو المرافقين، وأنا على هذا الحال كنت أفكر أن أقوم بلفت نظر ذلك النظامي الذي يحرس أحد البنوك بالقرب من العيادة، لذلك الفتى وأن أحكي له ما يساورني من شك للقبض عليه قبل أن يسرق أحد المرضى، إلا أنني عدلت رأيي بعد أن قام ذلك الفتي بمصافحة امرأة برفقة صبية في العاشرة من عمرها بود شديد، وكأنه ينتظرها فخرجوا جميعهم خارج العيادة للحظات، ثم ما لبث أن جلس حيث كان، وجلست المرأة انتظارا لدورها (في صف المرضى)، فقمت بسؤال المرأة إن كانت تعرف ذلك الفتى.. حيث ابتسمت وقالت لي بالحرف الواحد (عادي يا بتي لو قروشك ناقصه قولي له بدفع ليك في سخاء بالدس زول ما بشوفك) لم أصدقها وظننت أن المرأة والفتى عصابة يمثلون للإيقاع بالضحايا.. فذهبت ناحية الفتى لاتأكد وقلت له إنني بحاجة لشراء الدواء، إذ قمت بدفع فاتورة الطبيب العالية، ولم يبقَ لي شيء.. فاومأ لي برأسه بأن أخرج وفعلت ذلك، حيث قام بدس مبلغ بيدي وكأنه يصافحني رددت إليه نقوده وشكرته لحسن صنيعه، وأنا اموت خجلاً من سوء ظني به، وأخبرته بظنوني تجاهه فضحك وقال لي (ربنا يتقبل انا اشتغل بيدي لانفق على المرضى المحتاجين صدقة لوالديّ اللذين توفيا في حادث حركة وفاضت روحهما في هذه العيادة، حينها أطرقت بعيناي في الأرض وبكيت ندماً على سوء ظني. سوسنة: شتان ما بينك وبينهم انهم ينفقون منىً وأذى للجهر بالقول والحب الثناء والتطبيل، وأنت تنفق ابتغاء لوجه الله براً لوالديك.