رحم الله قيادات الحزب الشيوعي ورموزه التي أودى بها الصراع على السلطة في يوليو 1971م، إبان حكم الرئيس الراحل جعفر محمد النميري- رحمه الله- وقد شدَّني كما شد غيري تلك الحلقات التلفزيونية التوثيقية، التي يجريها تلفزيون السودان مع السيدة الفضلى والقيادية الشيوعية والنسوية البارزة فاطمة أحمد إبراهيم، أطال الله عمرها ومد في أيامها.. فالحلقات مؤثرة قبل أن تكون ممتعة، وممتعة قبل أن تكون موثقة لتاريخ مهم أهملته الفترة المايوية طوال فترة حكمها الممتد من بعد انقلاب (19) يوليو 1971م وحتى سقوط النظام في (6) أبريل 1985م. نشكر صديقنا وأستاذنا الكبير عمر الجزلي الذي نكأ الجرح وفتح صفحات التاريخ، ليخط الشيوعيون الأحداث من جديد وفق رؤية مغايرة لما كان سائداً أو ما تم تسجيله من قبل بأقلام السلطة، وأقلام السلطة دائماً غير منصفة. أتاحت لنا تلك الحلقات التي تبث كل جمعة، مؤطرة بإطار من ذهب يحمل اسم برنامج (أسماء في حياتنا)، أتاحت لنا النظر من زاوية أخرى لواحد من أهم أحداثنا التاريخية المعاصرة التي غيرت مسار العمل السياسي في بلادنا، بإضعاف المد الشيوعي على حساب تصاعد المد الإسلامي الذي أصبح أحد العوامل المهمة في تثبيت أركان نظام الرئيس نميري، وأحد العوامل التي أدت إلى نهايته وانهياره التام، بعد أن حاول أن يكرر تجربة الإقصاء والسجن والمحاكمات للقيادات الإسلامية في ذلك الوقت. احتفظ بوثائق مهمة داخل حاسوبي الشخصي عن تلك الفترة، حصلت عليها من مواقع الحزب الشيوعي السوداني، أراجعها من حين لآخر، إذ يعرف أصدقائي والمقربون مني مدى ولعي بالتاريخ والسياسة، إلى جانب إهتمامات أخرى.. لذلك عدتُ إلى تلك الوثائق حتى أكون قريباً من رؤية الحزب الشيوعي السوداني، بعيداً عن العاطفة أو التأثيرات العاطفية الناتجة عن شهادة السيدة الفضلى الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم التي رزئت بفقد الزوج والشريك والرفيق.. فقد جاء على لسانها أن حقد الرئيس نميري- رحمه الله- والرائد أبو القاسم محمد إبراهيم- أمد الله في عمره- هو السبب في الحكم بالإعدام على زوجها الشفيع أحمد الشيخ- رحمه الله- لأنه رفض قبول الأمر الصادر من الرئيس نميري بتكليفه وزيراً في الوزارة، إضافة إلى رفضها- هي شخصياً- عرضاً من الرئيس نميري، على مائدة غداء جمعها معه وزوجته الفضلى بثينة خليل، بتولي حقيبة وزارية في حكومته. وشدّني تمسك الأستاذ عمر الجزلي، بسؤال طرحه على ضيفته الكريمة عن توقعاتها بعد أن فشل إنقلاب (19) يوليو 1971م، فهل كانت تتوقع ألا تصدر أحكام ضد من أراد تغيير النظام بالقوة.. وقد ردت على ذلك بأن النظام نفسه- تقصد نظام النميري- جاء عن طريق إنقلاب عسكري، لذلك كان على النميري ومن معه ألا يحرم ما أحله لنفسه. قطعاً تلك الإجابة كانت عاطفية أكثر منها سياسية، تعتمد على ردة الفعل القطعية لمن حاول انتزاع السلطة من يد الحاكم ومعاونيه.. إذ أن لكل حكم قوانينه المدنية والعسكرية التي يؤمِّن بها وضعه وحكمه وسياساته.. لكن ذلك جعلني أعود للوثائق التي بحوزتي واعتمد في ما سوف أكتب عن التحليل السياسي للأحداث من وجهة نظر الحزب الشيوعي السوداني.. وموعدنا حولها غداً بإذن الله.