المعالجات الحكومية لكبح جماح السوق بإرتفاع أسعار السلع الأساسية تعطى الشعور والانطباع بأن الحكومة لاتعرف أسباب هذا الارتفاع وكما هو المعروف أن الوقوف على المشكلة وتحديدها فى أى مجال هو نصف الحل . وصوت الاقتصاديين فى بيان المشكلة واسداء النصح يعلو عليه صوت السياسيين ويغيب هذا الصوت عند بروز المشكلات الإقتصادية وتفجرها فى وجوه المستهلكين . الإتهامات التى تكال الى التجار يجب الوقوف عندها إذ المعروف أن طبقة التجار الحقيقية فى السودان قدمت الى هذا البلد ومنذ قيام الدولة الحديثة فى السودان مهنة محل احترام وتقدير من جميع فئات المجتمع وهى محط آمال المواطنين عند قيام مشروعاتهم الخدمية والإجتماعية وكذلك الحكومات عندما تضيق يدها وهم الذين يكفلون الأسر الفقيرة بالصدقات والزكاة حتى قبل معرفة الأطر الإدارية الحديثة لها . وظلت هذه الطبقة لعقود طويلة مرتبطة بكل أعمال الخير حتى ظهرت مضاربات الأسواق والأساليب الملتوية والتى لم تسلم منها بعض المصارف أو فلنقل ممارسات مصرفية فظهرت طبقات المضاربين والمحتكرين والمتحكمين والسماسرة وللأسف لم يقتصر هذا النشاط الضار على الأفراد بل قامت شركات ومؤسسات ومنظمات تمارس مثل هذا النشاط ودخلت حتى بعض المؤسسات الرسمية فى دائرة الإتهام بأنها تحتكر وتضارب وتتحكم وحلت هذه الطبقة الجديدة التى لاتطور النشاط التجارى محل التجار الذين كانت صورتهم زاهية وأياديهم نظيفة من إفقار العباد . السودان هذا البلد الذى حباه الله بالموارد فى باطن الأرض وعلى ظهرها ترتفع فيه أسعار السلع الزراعية المصنعة أو المحولة لأن قلة الإنتاج والاحتكار والمضاربات ظللنا نتعامل معها بسياسات تقوم على التجريب القاصر والذى لايقوم على رؤية علمية ولايقرأ المستقبل فالتجريب القاصر جعل سلعة السكر ترتفع أسعارها إرتفاعاً جنونياً فى بداية موسم الإنتاج والخضروات والفواكه لاتنخفض أسعارها فى موسم الشتاء ولتستمر أسعار الصيف والمعالجات التى تقوم بها الحكومة لكبح جماح الأسعار لاتعود على المواطنين . ولنترك الحديث للأرقام سعر طن القمح لايزيد عن ال300 دولار أمريكى تسليم ميناء بورتسودان تقوم الحكومة باستيراده أو يستورده آخرون ويخرج من المطاحن سعر 115 جنيه للجوال زنة 50 كيلو جرام دقيق مستخلص مع استفادة المطاحن من بيع الردة . سعر بيع الدقيق المستورد تسليم الخرطوم لايزيد عن 500 دولار أمريكى للطن الواحد أى مايعادل 25 دولار للجوال زنة 50 كيلوجرام . أما سلعة السكر فإن سعر الطن من السكر البرازيلى فى حدود 650 دولار تسليم ميناء بورتسودان وبما لايزيد عن ثلاثة وثلاثين دولاراً لجوال السكر زنة خمسين كيلو والذى وصل سعر بيعه فى اسواق الخرطوم خلال الأسبوع الماضى 167 جنيهاً سودانياً . المعالجة الحكومية أنها تستورد القمح وتسلمه للمطاحن التى تحقق أرباحاً فى الدقيق المستخلص وتظفر بالردة كما أنها توكل أمر استيراد السكر والتحكم فى توزيعه لشركة السكر السودانية وهى ليست منظمة خيرية بل شركة تضع كل مصروفاتها الادارية وارباحها على سعر البيع . السوق الحر يقوم على المنافسة الحرة وخير للحكومة أن تخرج من هذا السوق بفتح الباب للتجار لاستيراد حر لهاتين السلعتين ويترك لها وضع الضرائب والرسوم والمواصفات حتى تنهض بلادنا من الاكتفاء من هاتين السلعتين وفى الإمكان ذلك إن تجاوزنا الانتاج الصغير فى مساحات كبيرة وأخلص علماؤنا فى إيجاد السلالات الزراعية وفك أسرار الشفرة الجينية لزراعة خام هاتين السلعتين (قصب السكر - القمح ) كما يفعل العلماء فى كل أركان الدنيا أفتحو باب الاستيراد ليتنافس التجار تنافساً حراً لا امتياز فيه لفئة ولا لمتنفذيين سبق أو حماية .