*بينما كان (المجلس الرئاسي الليبي) بقيادة فايز السراج الذي أُعْلن بمثابة حكومة للوفاق الوطني، يناضل ويعاظل من أجل نيل ثقة البرلمان الليبي في طبرق، لينال شرعية وطنية ليبية بعد أن نال دعم الشرعية الدولية والغربية– الأوربية والأمريكية خصوصاً- فوجئ الرجل، مثلما فوجئ أهل طرابلس وليبيا عموماً والأقليم بل والعالم كله بانقلاب(مليشياوي) بقيادة ما يسمى بالحكومة المؤقتة ورئيس وزرائها (خليفة الغويل)، الذي لم يسمع باسمه سوى قلة من المراقبين المتابعين للشأن الليبي عن كثب.. فاستولوا على دواوين (المجلس الرئاسي) وإذا بالغويل يذيع بياناً متلفزاً من ذات المقر، معلناً عن شرعية مزعومة ومعززة، طبعاً، ببنادق المليشيات ومدرعاتها، وتبدبير وتخطيط من الجماعات الإسلامية، وفي مقدمتها (الجماعة الإسلامية المقاتلة) إحدى تمظهرات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. *وبالأمس القريب (الإثنين) أعلن الحرس الرئاسي الليبي الذي من المفترض أن يكون حامي حمى حكومة السراج، إنضامه للانقلابيين، وبذلك تأكدت عزلتها داخل طرابلس والغرب الليبي.. وليت الأمر توقف عند ذلك.. ففي (البيضاء) أعلن عبد الله الثني رئيس الحكومة المؤقتة المنبثقة عن المجلس النيابي الليبي في طبرق انضمامها لما أعلنه خصومها التقليديون في طرابلس، واستجابت لدعوة الغويل بتشكيل (حكومة موحدة) بين الغرب والشرق.. الأمر الذي يضع السراج وحكومته عملياً خارج المشهد.. برغم الدعم الذي يلقاه من بعض المليشيات المحلية في بعض المدن الليبية كمصراته والزنتان، التي تقاتل حالياً تحت إمرته في عملية (البيان المرصوص) ضد تنظيم داعش في سرت وما حولها.. الأمر الذي قد يعيق اكتمال العملية التي وصلت مراحلها الأخيرة وحصرت (الدواعش) في منطقة صغيرة على شاطئ المتوسط. *المجتمع الدولي ومبعوث الأممالمتحدة الذي أشرف على تنسيق وقيادة مفاوضات الصخيرات.. حتى تمت تسمية السراج رئيساً لحكومة الوفاق الوطني أو (المجلس الرئاسي الليبي).. لابد أنه صُدم بالانقلاب الإسلاموي في طرابلس ودعم الحكومة المؤقتة له.. خصوصاً وأنه كان يجتهد في اقناع البرلمان الشرعي في طبرق، لاعتماد حكومة السراج .. برلمان طبرق المنقضي أجله، لكنه مستمر في لعب دوره بحكم الأمر الواقع.. إذ لم تجر انتخابات نيابية جديدة بعد. *أقل ما يمكن قوله في هذا الواقع، الذي يشبه (مثلث برمودا) من حيث الخطر وتلاطم الأمواج المهددة للسفن العابرة، أنه أغرق أو كاد يبتلع سفائن الجهود الدولية التي ظلت تحوم حول الأزمة الليبية، دون أن تضع لها حداً وحلاً يوحد البلاد المنقسمة إلى (شرق وغرب).. وإذ هي اليوم يضاف لها بعداً ثالثاً بانقلاب الإسلاميين لتغدو ثلاث حكومات: (السراج + الثني+ الغويل) وثلاثة مجالس نيابية ورئاسية: (برلمان طبرق+ المؤتمر الوطني المنتهية ولايته في طرابلس+ المجلس الرئاسي المبنثق عن مؤتمر الصخيرات والذي فقد حتى مقره لصالح الغويل ومليشياته)، فاستحكمت الأزمة، وضاقت حلقاتها ولا يعلم أحد متى تفرج. *لكن التقارب الفجائي بين الحاكمين في الشرق والمتحكمين في الغرب الليبي، ربما يكون مقدمة– غير متوقعة- لمصالحة وطنية بعد أن أدرك الجميع أن ليبيا مستهدفة بالتقسيم، لثرواتها النفطية ومساحتها الشاسعة وموقعها الاستراتيجي كأطول شواطيء المتوسط.. ربما أدركوا –أخيراً- أنه لابد من تجاوز واقع التجزئة والاحتراب والفوضى، الذي غرقت فيه البلاد بعد أن أقدم التحالف الدولي على إطاحة القذافي، واتضح لاحقاً ما ترتب على تلك (الإطاحة غير المُنظمة) من انفراط عقد الدولة.. فهل غشت الليبيين صحوة جعلتهم يقررون النأي بوطنيتهم عن أية وصاية دولية (مشبوهة)، ليلتقوا على كلمة سواء ويتصالحوا من أجل البلاد والعباد.. ربما.. والله أعلم.