عندما جاء الإسلام إلى هذه الدنيا كان الناس في جاهلية عمياء.. متناحرين فيما بينهم.. القوي فيها آكل والضعيف مأكول، كانوا لا يعرفون سوى الحروب والإقتتال فيما بينهم لأتفه الأسباب وأدناها، وكانوا يقتتلون السنين الطوال من أجل بَعير فما حرب البسوس وداحس والغبراء إلا دليل على ذلك، ولما أطل الإسلام بنوره وعم المشرق والمغرب.. دخل الناس فيه أفواجاً وأصبحوا أمةً واحدة متآلفين متحابين بعد أن كانوا متناحرين متخاصمين، يقول تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...) سورة الفتح، ويقول النبي الكريم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ...)، ويقول: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم، وما المهاجرون والأنصار عنّا ببعيد الذين بلغت أخوتهم ما بلغت حتى كان الأنصاري يقاسم المهاجر ماله، ويطلق إحدى زوجاته ليزوجها أحد أخوته المهاجرين، وبالطبع لم ترضِ هذه الأخوة والمحبة والمودة أعداء الله ورسوله، فها هو اليهودي شاس بن قيس عندما رأى مجلساً من الأوس والخزرج تسوده الإلفة والمحبة، فقال شاس بن قيس: لقد اجتمع بنو قيلة بهذه البلاد (أي المدينة)، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم من قرار، فأمر فتى شاباً معه من اليهود فقال له: أعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم ببعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار(وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج)، ففعل ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثبوا وتواعدوا الحرب، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضهم إلى بعض، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين: الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر وألّف بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟.. فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيده وعدوه لهم فألقوا السلاح وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، ولكن للأسف عاد أمثال شاس بن قيس اليهودي يؤججون الصراعات في الصحف الرياضية بين المسلمين في مجرد لعبة في كرة القدم..! فملأوا صحفهم بالسباب والشتم والمكايدات وتحريض اللاعبين والجماهير، وهدموا بذلك الأخوة الإسلامية بين المسلمين.. إن كانوا يعلمون أو لا يعلمون، فمهاتراتهم هذه تصب في تفرقة المسلمين، وزرع الفتن بينهم.. وحتى لا يعتبر حديثي هذا مجرد كلام، حرصتً على متابعة الصحف الرياضية خلال الأيام الفائتة، قبل مباراة الهلال والمريخ في كأس السودان، وقد صورها هؤلاء الإعلاميون كأنها حرب بين مسلمين ويهود، يحرضون اللاعبين لضرب بعضهم بعضاً، والفوز بالمباراة بأية وسيلة كانت، فها هو أحد الإعلاميين يشطاط غيظاً عندما يرى أحد لاعبي الهلال يصافح أحد لاعبي المريخ وينصحه فعلق الصحفي قائلاً: (من أوجب واجبات الشفتنة كان واحد من ناس المريخ ينادي راجي عبد العاطي بمجرد ما وقف الزول ده).. عزيزي القاريء لا تحسب أن الواقف معه يهودي كافر، بل هو من أبناء المسلمين ولكنها الحماقة والسفه والتعصب، وفي نفس العمود يحرض هذا الصحفي اللاعبين على ضرب بعضهم البعض، فيقول محرضاً (إذا تجاوزت يا نصر الدين الشغيل حدود العنف القانوني تنال الجزاء، وما هو الجزاء؟ بطاقة ملونة وإيه تعني بطاقة ملونة في آخر الموسم؟)، بل وصفت الصحف الرياضية المباراة بالحرب الضروس، وحكى لي أحد الذين كانوا داخل الإستاد ما حدث من الجماهير وحملهم للافتات مكتوب عليها إساءات من مثل: (دفن السكرانين في مقبرة الساجدين)، وكما حمل الجمهور الآخر لافتات فيها علامة القراصنة كنايةً عن الموت وألفاظ تنوء عنها الحيوانات وهذا غيض من فيض، وبعد انتهاء المباراة كتبت الصحف الرياضية وإليك بعض النماذج لتقف على فداحة وعظم الأمر:عنوان أول رئيسي في إحدى الصحف (اتحاد الفاشلين يهدي الكأس للدلاقين)، ويكتب صحفي يسييء لأخيه الصحفي قائلا: (وكيف لا يضلون الطريق ومن خلفهم كاتب قميء السيرة، مقيت الصفات يتخفى في ثياب الواعظين بينما هو رأس حية رقطاء تجوب المنتديات بحروف العهر المنتقاة).. وقال أيضاً عندما رفض كابتن الفريق مصافحة رئيس الاتحاد (عفيت منك يا سيدا، فمثل يدك الطاهرة لا تتلوث بالخونة اللئام الساكّين الحمام)، وكتب آخر يمدح فريقه المريخ قائلاً: (تقديم الكأس كأجمل هدية يقدمها لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)، سبحان الله على ماذا عاهد هؤلاء الله تعالى، وهل أصبحت كرة القدم عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى؟.. أتعلم ما سبب نزول هذه الآية وفيمن نزلت؟.. إنها نزلت في الصحابي الجليل أنس بن النضر الذي قاتل أعداء الله في معركة أحد، فَوُجد ملقياً شهيداً وفي جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية لم تعرفه أخته إلا ببنانه، وكان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في بدر وقال بعدها لئن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَرَيَنَ الله ما أصنع، فهل هناك مقارنة بين أولئك المجاهدين في سبيل الله.. وهؤلاء اللاعبين في سبيل كأس لا يسمن ولا يغني من جوع عند الله تعالى؟.. ومانشت عريض في الصفحة الأولى: (راجي الضكران أدب همجية بني زرقان)، فوالله أنتم الأحق بالتأديب، وهذا قليل من كثير. وقد كتب أحد العقلاء في هذا الموضوع مصيباً كبد الحقيقة فقال: (أقيمت مباراة القمة على نهائي كأس السودان وقد بلغ الشحن الجماهيري محطة لم يصلها من قبل، وظهرت الاحتكاكات بين مشجعي الناديين في الشارع العام بشكل يثير المخاوف حقيقةً، وينبيء بحدوث كارثة كبرى في المستقبل القريب، وإذا استمر الأمر على نفس الوتيرة ولو سألني أحد بصفتي المهنية كصحفي رياضي عن الأسباب التي أدت لتنامي الروح العدائية بين أنصار الناديين، لما ترددت في توجيه الاتهام للزملاء في الصحافة الرياضية، وبالأخص كتاب الأعمدة.. وما يجعلنا غير متفائلين بحدوث تراجع تلقائي في أطروحات الصحافة الرياضية.. أن الدعوة للتعصب قد وجدت التشجيع الكافي، كل الصحف خرجت تتحدث عن الثأر وتزج بمفردات الحرب في مباراة كرة قدم، وأصبحت صحف زرقاء وحمراء تدعو للتعصب بطرح فطير وفساد للأخلاق).. انتهى كلام الصحفي، والحمد لله أن شهد شاهد من أهلها. وقد تعدت هتافات الجماهير وسبهم، فطالت حتى آباء وأمهات اللاعبين، ونسوا قول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) رواه البخاري في صحيحه، فعودوا إلى رشدكم وانبذوا واتركوا هذه الكتابات التي لا تشبههكم بوصفكم مسلمين ومن خير أمة أخرجت للناس، فهذه الكتابات تغضب المولى عز وجل وتصب في مصلحة أعداء الإسلام وأمة الإسلام العظيم، الذين يتربصون بها الدوائر وهم الذين اخترعوا هذه الدورات الكروية لإلهاء الناس عن طاعة الله سبحانه وتعالى، فالأصل ألا ينشغل الناس بالقضايا الانصرافية والساحة الآن مليئة بالمشاكل، فمخطط تمزيق السودان إلى أكثر من ثلاث دول يحيط بنا من كل جانب، والأمم المتحدة وبناتها تعمل لتنصير أبناء المسلمين في كل مكان من بلادنا، ومبعوثو أمريكا وأوروبا يتدخلون في شؤوننا يقررون وحكامنا ينفذون ونحن لاهون ويسب ويضرب بعضنا بعضاً في كرة قدم..! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فالأصل أن نعمل جميعاً في خدمة هذه الإسلام العظيم.. وأن نقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضنا بعضاً كما قال حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم، وأن نجعل الإسلام نور عقولنا وقلوبنا وألا نعيش إلا به في كل تصرفاتنا وحياتنا.فالله الله فيمن لا يرعوي من هؤلاء الكُتاب ورؤساء تحرير الصحف الرياضية ومسؤولين في اتحادات الكرة، وحكام البلاد الذين لا يوقفون مثل هذه الكتابات والمهاترات ودعوات الجاهلية النتنة كما وصفها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.