استطاعت (آخر لحظة ) بعد مرور 54 عاماً من الاستقلال إماطة اللثام عن سر علم الاستقلال في السابع والعشرين من العام الماضي بألوانه الأزرق والأصفر والأخضر والتقت بالأستاذة والشاعرة والفنانة التشكيلية السريرة مكي الصوفي امرأة الفصول الأربعة حواء السودان التي جسدت واقع المرأة ومشاركاتها في الهم العام السياسي والاجتماعي بتصميم العلم وتقديرًا منّا لما قامت به نتوجها بقلادة شرف (ست الحسن) للرائدات في بلادي وها هو اللقاء يتجدد ولكنه بنكهة مختلفة هذا العام ونحن على أعتاب مرحلة جديدة ربما تتغير فيها ملامح البلاد وخرطتها ولكن قبل أن ندلف للحوار نعود إلى أصل الحكاية كما روتها لنا السريرة أصل الحكاية : انتابت فرحة عارمة المعلمة السريرة مكي الصوفي عند إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19/12/1955م، دفعتها للتفكير في تصميم العلم بعد أن نظمت قصيدة بعنوان: يا بلدي العزيز اليوم تم الجلاء ، دفعت الأستاذة السريرة التي كانت تعمل معلمة بكلية المعلمات بأم درمان، بتصميمها في مظروف إلى الإذاعة عبر شقيقها حسن مكي، ولم تفصح عن اسمها الحقيقي آنذاك، واكتفت بأن رمزت إليه ب (س، مكي الصوفي).. وتضمنت رسالتها ألوان العلم مشروحة بمفتاح ذيلت به رسالتها، وقالت خلاله: إن اللون الأخضر رمز للزراعة، وهي المهنة الرئيسية لأهل البلاد، والأصفر يرمز للصحراء، والأزرق يرمز للماء والنيل. وبعد أن سمعت في الإذاعة قصيدتها، رجحت أن يكون تم تجاهل تصميمها للعلم، خاصة أنها لم تكتب اسمها صريحاً معللة ذلك بوضع المرأة آنذاك، التي يجب أن تتوارى بحسب فهم المجتمع يومها. لم تتمالك نفسها من الدهشة عقب رؤيتها الفنانة حواء الطقطاقة، ترتدي خلال مسيرة الاستقلال عقب رفع العلم ثوباً بذات التصميم الذي حاكته أناملها، على الرغم من أن بصمة الحاجة السريرة لا تخطئها عين في العلم، إلا أن أحداً من المسؤولين آنذاك لم يستدعها، ولم يعرف أحد أنها وراء تصميم رمز سيادة البلاد، وطبقاً لإفاداتها فإن تنقلات أسرتها بحكم عمل زوجها محمد عوض الله الحسن العقيد بالسجون حالت دون مطالبتها بحقها الأدبي والمادي في تصميم العلم. بلا شك أن أنامل خطت علم السودان بهذه الروعة بطبعها مبدعة، وفنانة، فالحاجة السريرة التي ظلت تعلم الأجيال منذ 60 عاماً، سردت قصصاً وروايات وكشفت عن قسوة التعامل مع المعلمات السودانيات من قبل البريطانيات والمصريات، مما اضطرهن لإنشاء جميعات أدبية تناهض الاستعمار. لم تخف الحاجة السريرة ما تعلمته من فن وإبداع من الإنجليز الذين قالت: إن تعاملهم السيء مع أبناء البلد وبناته دفعها لصقل موهبتها والرد عبر عطاء لم يقف عند تصميمها للعلم الوطني، بل تعداه لإعدادها برامج إذاعية حيث كانت تقدم أيام الاستقلال حديثاً للأطفال والأمهات من مايكرفون الإذاعة السودانية. الحاجة السريرة إحدى رائدات العمل النسوي في السودان، فقد كانت عضواً في اللجنة التمهيدية للاتحاد النسائي إلى جانب كل من نفيسة المليك، وحاجة كاشف، وعزيزة مكي، ومدينة بابكر الغالي. وبصحبة كل من نفيسة عوض الكريم وسكينة توفيق عملت المربية السريرة في أول مدرسة لتعليم السيدات بالعباسية وذكرت أن أشهر الدارسات في تلك المدرسة آنذاك كانت السيدة وصال المهدي وآمال سراج وماريا أبو القاسم وغيرهن. ولا نستطيع أن نصف السيدة السريرة إلا كما وصفها نجلها اللواء معاش عمر محمد عوض في أحد دواوينه الشعرية ب(السريرة دهب الكيلة) واللواء عمر محمد عوض قالت السيدة السريرة: إنه ابنها الذي ورث عنها الإبداع والفن وله ( 7 ) دوواين شعرية تحت الطبع. اللقاء المتجدد..وذكريات في الجنوب تنقلت السريرة مع زوجها ابن خالتها العميد سجون محمد عوض الله الحسن بين الجزيرة وبورتسودان واستقرت لمدة أربع سنوات بالجنوب تحديدا منطقة التونج واو وبحر الغزال وتصف تلك الفترة بأنها كانت من أجمل الأيام كونت خلالها العديد من الصداقات مع نساء الجنوب وزادت كما مررت فيها بلحظات كانت عصيبة نسبة لاندلاع أحداث التمرد الأولى. المرأة السودانية والتغيير ولأن الحياة وإيقاعها اختلف فلقد تغيرت المرأة السودانية فلقد كانت أهداف الحياة مختلفة بحسب السريرة والمرأة سابقاً كانت نشطة وتسعى للجديد وتنمية القدرات وكانت الأولوية للعمل اليدوي والمرأة ملمة بكل متطلبات الأسرة والزوج كما أن المجتمع دخلتة الكثير من العادات والمشاكل. استقلال بمذاق مختلف لا تستطيع السريرة تخيل خارطة السودان بعد الانفصال وهي من الرافضين للفكرة من أساسها فمخاطر الانفصال كبيرة للجنوب قبل الشمال وعبرت بالقول أؤيد الوحده فمنذ أن وعت أعيننا على الدنيا كانت الخريطة الحالية ولا نقبل أي خصم أو نقص من أراضي الوطن وكنت معلمة لمادة الجغرافيا وكثيرًا مارسمت كل مديرية على حده وأضع ليف الحمام ملوناً بحسب المحاصيل التي تشتهر بها كل مديرية وبانفعال وتأثر واضح زادت هذا شيء صعب على أي شخص وطني. وبحس الأم التي تحرص على أبنائها الصغار تقول أرى هناك بارقة أمل في حديث الرئيس البشير الأخير وحجم الوساطات من الدول التي تهتم لأمرنا وبحكمة الكبار توصي علينا بالصبر على ما بعد الاستفتاء. رسالة أم رسالتي للرئيس البشير أنت رجل طيب القلب حتى الآن لم تصدر كلمة «شينه» منك في حق الإخوه الجنوبيين سواء في حال الوحدة أم الانفصال وهذا من مكارم الأخلاق وحب الوطن ،أشكره على هذا الكرم مع الجميع والذي يدل على أخلاق عالية.