أدت الدعوة التي أطلقها زعيم حزب الأمة والتي نادى فيها بإدخال الثقافة الجنسية في مناهج التعليم في السودان إلي ردود فعل مختلفة ما بين مؤيدين للدعوة ومدافعين عنها، وما بين رافضين لها ومستهجنين طرحها من قبل زعيم طائفة دينية تقليدية، غالبية أتباعها محافظون ويعيشون في بيئات شديدة الانغلاق. وثار جدل كثيف حول الأمر والحقيقة أن المؤيدين لتدريس الثقافة الجنسية هم صنفان من الناس، الصنف الأول وهم قلة ممن تأثروا بشكل أو بآخر بنمط الحياة الغربية بالعيش في تلك المجتمعات بالفعل وممن لم يعيشوا هناك، ولكنهم منبهرون ومأخوذون بهذا النمط ومعجبون به من خلال اطلاعهم على أوجه الحياة في الغرب عبر وسائط الاتصال المختلفة، هذا الصنف مدرك تماماً لمعني مصطلح الثقافة الجنسية بالمفهوم الغربي لها، أما الصنف الثاني وهم كُثر فهم لا يدركون كنه هذا المصطلح الذي يؤيدونه، ولكنهم فقط يعشقون الأخذ بكل ما هو جديد وغير تقليدي، خاصة إذا ما كان مصدر هذا الجديد الغرب فهم فقط يخوضون مع الخائضين دون وعي وإدراك لمآلات وتداعيات خوضهم هذا. الثقافة الجنسية كمنهج للتدريس معروف ومتعارف عليه في الغرب يقوم بشكل أساسي على مبدأ حق الأطفال في التعرف علي أجسادهم، وتعليمهم كيفية إشباع رغباتهم الجنسية من جميع النواحي، وماهية المعاشرة الجنسية وشرح كيفية ممارسة الجنس دون (خطر الحمل)، ومساعدة المراهقين على تحديد اتجاهاتهم الجنسية، بمعنى- أي الجنسين- يفضلون العادة السرية كوسيلة للإشباع الجنسي بعد البلوغ، والعلاقات الشاذة كبديل للعلاقات الطبيعية العادية والإجهاض، وتقرر هذه المناهج أنه لا دليل على أن الصور الفاضحة تسبب الإثارة الجنسية، هذه هي الأسس التي يقوم عليها منهج الثقافة الجنسية في الغرب، ويهدف هذا المنهج حسب واضعيه إلى التقليل من سلبيات وآثار ممارسة الجنس قبل الزواج. ورغم أن هذا المنهج مطبق ويدرس في المراحل الدراسية ما قبل الجامعة منذ وقت طويل، إلا أن واقع الحال في المجتمعات الغربية يشير إلى أن أياً من الأهداف التي أريد تحقيقها منه لم تتحقق، بل كانت النتائج كارثية، وتمضي في الاتجاه المعاكس تماماً، فالجنس ما قبل الزواج أصبح هو القاعدة والعادة التي سار عليها الناس هناك وأصبحت مألوفة لديهم، فالزواج لديهم يأتي تتويجاً لعلاقة مخادنة تستمر لسنوات يعيش فيها (المتخادنين) عيشة الأزواج، كذلك لم يمنع هذا التثقيف الجنسي من بروز وتفشي أنواع مختلفة من الشذوذ الجنسي الذي يشمل (المثلية الجنسية بنوعيها وما يعرف بالبهائمية Bestiality) والأمراض المصاحبة لهذا النوع من الممارسات القبيحة والذميمة في كل الشرائع، كما لم تمنع انتشار وزيادة حالات الخيانة الزوجية وغيرها من الأمراض والعلل التي تعاني منها هذه المجتمعات، ويجأر بالشكوى منها العقلاء والراشدون منهم وقليل ما هم، والسبب الأساسي في هذا الفشل الذريع لمنهج التثقيف الجنسي هو أنه لم يستند إلى مرجعية دينية أو أخلاقية، وإنما كان نتاج اجتهاد نظري يجد مرجعيته وأساسه في الفكر الليبرالي الذي يعتبر أن ممارسة الجنس من الحقوق الأساسية للإنسان التي لا ينبغي تقييدها بأي قيد ديني أو أخلاقي. وفي ديننا الحنيف دين الإسلام هناك مرجعية واضحة المعالم في القرآن الكريم والسنة المطهرة، جاءت في القرآن مجملة وغير مفصلة، وبعبارات غاية في اللطف وموغلة في التورية والإيماء، وكذلك جاءت في بعض أحاديث رسولنا الكريم الذي أوتي جوامع الكلم، وهذا الذي ورد في القرآن والسنة من الإشارات الخاصة بالجنس، جاء إما بالحديث عما أحله الله وهو (الزواج.. ما ملكت الأيْمان) وهذا الأخير انتهى بانتهاء الرق الذي جفف التشريع الإسلامي منابعه، وقضى عليه بالتدريج حتى لم يعد موجوداً كما كان في السابق، وإما في النهي عما سواه من العلاقات الأخرى غير الشرعية قال تعالى:(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) صدق الله العظيم.. ففي الإسلام لا شرعية لأية علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج، وبالتالي لا اعتراف بأي نزعات شاذة من مثلية وبهائمية وغيرها من أنواع الشذوذ والممارسات المحرمة، والتي تعتبر في الغرب حقوقاً واجبة الصون والمحافظة عليها وحمايتها بقوة القانون، بل إن بعض الدول سنّت تشريعات أباحت بها زواج المثليين ذكراناً واناثاً!.. لم يرد في القرآن ولا في السنة تفصيلاً للأمور الجنسية على النحو الذي تفعله مناهج وبرامج التثقيف الجنسي في الغرب، لسبب بسيط هو أن الجنس من الأمور الفطرية التي فطر الله الناس عليها مثله مثل أشياء كثيرة، لا ينال الإنسان تدريباً عليها أو تعليماً ليتقنها، ومن ذلك الرضاعة فما الذي يجعل الطفل الوليد بعد ثوان من خروجه من بطن أمه يلتقم ثديها ويرضع منه حتى يرتوي، وهو يفعل ذلك لأول مرة؟ بل من علّم البهائم والوحوش والطيور والحشرات والضفادع التناسل والتكاثر في مواسم محددة وأوقات معروفة لديهم لا يخطئونها أبداً؟ وإذا كان الأمر يحتاج إلى تثقيف فما بال القرون الأولى، وما بال آبائنا الأولين الذين تناسلوا وتكاثروا هكذا بالسليقة دون أن يلقنهم أحد درساً أو تثقيفاً أو تدريباً، وهل من آثار (ظاهرة وملموسة) للجنس سوى التناسل والتكاثر؟ وهي الغاية التي شرع بها الله الزواج وحبّب النفس إليه بتلك المودة والرحمة، وبذلك الشعور الذي ينتج عنه بنين وحفدة هم ثمرة من ثمرات هذه العلاقة الطيبة، إذن فإن الجنس في الإسلام ليس مطلوباً لذاته- بعكس الحال في الثقافة الغربية - إنما هو كغيره من الملذات المباحة مجرد وسيلة تفضي إلى غاية مثله مثل الأكل الذي يجد فيه الإنسان اللذة، ولكنها ليست هي المقصودة، لأنها تبدأ بالمضغ وتنتهي بالبلع، وإنما الغاية المقصودة منه هي إمداد الجسم بالعناصر اللازمة لنموه واستمرار أعضائه في القيام بوظائفها التي تكمل بعضها بعضاً ليبقى الجسم حيّاً وحيوياً وقوياً... (نواصل).