وطن النجوم أنا هنا حدق أتذكر من أنا؟ مقدمة الاهزوجة والأغنية الوطنية الخالدة «وطن النجوم» والتي يصدق تعبيرها اخترتها ثانية في صدر هذا المقال، ولم لا وهي تقول بعض أبياتها: فالمرء قد ينسى المسيئ المفتري والمحسنا والخمر والحسناء والوتر المرنح بالغنا ومرارة الفقر المذل بلى ولذات الغنى لكنه مهما سلا هيهات يسلو الموطنا ولكن تبدل الحال والوطن تتسابق خطاه باتجاه أعظم الشهور والأيام في آن واحد، وأعنى الفاتح من يناير ذكرى أعز وأحلى المناسبات عيد الحرية والاستقلال الذي يوازيه بالمقابل التاسع منه، وما يحوي من أحداث ومفاجآت ونتائج ربما كان طعمها مراً علقماً على لسان الكثيرين من أبناء هذا البلد الوحدويين والمخلصين الغارقين في حبه، وفي حب الوحدة وحب السلام (والسودان القديم). السؤال الذي ورثناه جيلاً عن جيل واحداً متحداً موحداً أرضاً وشعباً ومصيراً ومشاعر وقلباً وقالباً، وبرغم أننا لم نتبين الحقيقة والقول الفصل في أمر الانفصال إلا أننا ووفقاً لمجريات الأحداث نغلب كفة الانفصال، برغم أن جل الشمال إن لم نقل كله يقف مع الوحدة، وبرغم الثمن الباهظ الذي يدفعه والفدية والضرائب الكبيرة التي يستقطعها خصماً من قوته وحياته ونفقات لقمة عيشه وبقائه، وبرغم التضحيات والتنازلات والنفقات المحسوبة والمخصومة على رفاهيته وحقه في العيش الكريم، ولكن قد يهون الوطن إلا مربعاً وقد يهون العمر إلا ساعة، وأننا ندرك ونعلم حق العلم معنى هذه الحكمه ret reat has no) end) أي التقهر والتنازل والاستسلام ليست له نهاية، ونعلم أيضاً أن بلادنا ووحدة أرضيها وشعبها ووطننا مهدد بالمزيد من الانشطارات والانقسامات التي تلوح في الأفق والتي يلوح بها بعضنا. إننا مستهدفون وطناً وأرضاً وشعباً وثروة وموارد (وعقيدة) دينية، فالقوى المهيمنة والمسيطرة على قدرات الشعوب تتربص بنا الدوائر، وقد كنا حكماء وعقلاء واذكياء إبان حادثة الغارة والهجوم على (مصنع الشفاء) الذي كان استفزازاً واستدراجاً ماكراً خبيثاً للدخول مع هذه القوى في حرب غير متكافئة لا يملك السودان عدتها وعتادها، ولا تزال الملايين من جماهيرنا لا تدري من أين وكيف وما نوع السلاح الذي استعمل في تلكم الضربة أو الغارة الخاطفة، فالحرب تطورت لتصبح علماً وفناً استراتيجياً له أصوله وقواعده ومناهجه، وعدته وعتاده العلمي الحديث. انفصال الجنوب هو البداية التي تتطلب ذات المنهج ومن الحكمة والكياسة وضبط النفس وأنها مسألة جد صعبة، ولكن هل من بديل!!؟ أنه قبض الريح وضياع الوطن، وما تبقى من أرض موعودة بالتشطير والإنقسامات ولا أحسب أن أمامنا مجالاً أو براحاً للمراوغة manevvre)) الفر والكر والمناورة والحرب خدعة أولها كلام- وارجو ألا أكون متشائماً. لم يكن السادات استسلامياً ولا انهزامياً عند إعلانه إيقاف الحرب مع اسرائيل اكتوبر عندما دخلتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وشركاؤها بأحدث الآليات والمعدات التي كانت تتدفق على اسرائيل في أيام معدودة برغم أن مصر كلها كانت تقف الى جانب رئيسها وجيشها لأنها أمة واحدة وشعب واحد تربطه عرى الدين، واللغة ، والوطن، والتاريخ، والثقافة، والمصير المشترك، وكذلك دعم الدول العربية العسكرى والأدبي، اثنتان وعشرون دولة بالتمام والكمال. أما نحن في السودان فالأمر مختلف جداً مئات اللغات واللهجات والتقاليد والعادات والسلوك والمعتقدات والاصول والانتماءات، وتنشب بيننا الحروب والصراعات والنزاعات وتباين الآراء والخلافات، أضف الى ذلك القبلية والنعرات العصبية الذميمة.. الأمر الذي يقلل من فرص نجاح انتشار واستقلال قواتنا المسلحة لمناطق مثل دارفور ، وجنوب النيل الأزرق، وجنوب كرودفان، وابيي وكافة مناطق التماس المضللة التي ينتشر فيها التمرد ويتأجج فيها الصراع المسلح، والانكفاء العرقي والجهوى القبلي والعصبي، الذي يهدد الوطن كله بالعودة الى القرن الماضي، حيث التشتت والممالك والسلطنات والمشيخات والعرقيات وأبجديات قواعد الحرب العلمية تقول: (if you want to fight must have the land) اي إذا أردت أن تحارب عليك بالأرض أولاً، فهي التي تنطلق فيها الجيوش ويتلقون فيها التدريب وترتب فيها الصفوف، وتوضع الخطط وترسم العمليات، وتشيد فيها الانفاق والجسور والمخازن والمطارات، وتنطلق فيها الصواريخ والراجمات وفي جبالها وكهوفها وادغالها يحتمي الجنود، وفي غاباتها تدار حرب العصابات لتشتيت قدرات العدو وإضعاف معنوياته «morale» وتنصب له ولآلياته الكمائن، وهناك الكثير الذي يدركه العسكريون والقوس أبداً لباريها. والسودان القديم بعد ذهاب الجنوب المرتقب سيرث نصفاً «مُراً» أشرنا الى التصدعات والصراعات الطاحنة التي يعانيها أكثير من نصفه المتبقي، وهو كما نرى ونعايش في انطواءوانزواء وعزوف عن المركز يتكور كما الحية تتهيأ للانقضاض، إنها أطراف محسوبة على المركز، تعلمت من «نصفنا» المنفصل الجنوب كيف تجفو فجفت، وكيف تنسى فنسيت، وكيف تتمرد وتشق عصا الطاعة وتشغل وتستغل المركز عسكرياً واقتصادياً المركز الذي قدره العثرات والكبوات المتلاحقة. والحل والمخرج الوحيد لما تبقى من السودان المتقلقل المستهدف والذي تحاصره الفتن والمكر السيئ والاطماع، والموعود بالمزيد من التمزق والانشطار والانقسامات التي بدأت تظهر هنا وهناك، وأمام هذا الواقع الصعب لا نرى مخرجاً أوحلاً غيرأن نتوحد وان نتفق على كلمه سواء، فالمجد والسلطة والحكم والمال كله زائل وكذلك حب التملك وحب النفوذ.إنها غرائز جُبل عليها الكثيرون من الناس، ولكن علينا أن نكبح جماحها لأن الوطن الذي تتصارع على الاستحواذ على مقاليده والانفراد بتملكه والسيطرة عليه في خطر تهدده الأطماع وتتكالب عليه قوى الشر والاثم والعدوان قوى البغض والاستكبار والاستعمار، لقد فقدنا نصفه ويتهيأ بعضه ليسلك ذات الطريق مدفوعاً من قبل الخونة، ومن قوى الاستكبار. فلا مناص ولا حل سوى الاجماع الوطني، قاعدة سلطة عريضة تتواصى بالصبر والحق، الفيصل فيها كتاب الله أن نغسل النفوس والضمائر من الأحقاد والضغائن والمرارات ما ظهر منها وما بطن ... اجماع وطني لا يقص أحداً ولا يعزل كياناً أو جهة، فالرماح تأبى إذا اجتمعت تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا. فدولة البغي والاستعمار والاستكبار بكل زخمها العسكري والمادي والسياسي والمعنوي تناصبنا العداء وتتربص بنا الدوائر، وبالأمس الاتحاد الأوربي بكل ثقله الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي يسير في طريق أمريكا مقاطعاً ومعادياً ويعلن عن نواياه الماكرة والآثمة بل وحتى على الساحة العربية والافريقية تكشفت لنا حقائق ما تنطوي عليه بعض دولها ورؤسائها الذين كنا نعدهم دولاً صديقة وشقيقة، كانوا يعلنون لنا ويظهرون النوايا البيضاء وقلوبهم السوداء مع المتمردين والمنشقين والأعداء.إن سياسة مسرح الرجل الواحد، لا تتواءم مع طبيعة المرحلة الشرسة القادمة التي تستوجب وتستلزم الوحدة والاتحاد co, multi theatre)) المشاركة الجماعية لمواجهة هذه المخاطر والتحديات والسودان حالياً ينادي بالصوت العالي على جميع أبنائه البررة الأوفياء أسد العرين الذين يدخرهم عند الأزمات والمحن ولمثل هذه الأوقات. هل ستغيب نجوم وطن النجوم!!!؟