لم أشأ تناول أماسي الخرطوم الموسيقية فى هذه الزاوية لأني جزء من شريك وربما أكون غير محايد فى تناول كل الأعمال التى يقودها الأستاذ السموأل خلف الله منذ أكثر من عقد وسبب آخر هو رئاستي الى اللجنة الإعلامية لهذه الأماسي والتي لم تكن فى حاجة الى اجتماعات ومقررات لأن العمل الابداعي يحمل رسالة جذبه فى جوفه وأعضاء اللجنة كانوا من أهل الابداع فى الصحافة والإذاعة والتلفزيون . أماسي الخرطوم الموسيقية التى أقامتها وزارة الثقافة الإتحادية بشراكة مع وزارة الثقافة والإعلام ولاية الخرطوم خلال الأسبوعين الماضيين كانت هى معزوفة الإفتتاح ومقطوعة التحية لمهرجان الخرطوم الدولى العاشر للموسيقى الذى ستطرب له الخرطوم والسودان فى نوفمبر القادم . والأماسي كانت بحق أماسي للفرح والبهجة ولم لا ففيها الفنان الرائع محمد الأمين وشرحبيل وعمر احساس وأسامة بيكلو وزيدان ومحمد النصري ومحمد البدري وأمال النور ونانسي عجاج والبلابل وترباس وحمد الريح وفيها اتحادات الغناء الشعبي والمهن الموسيقية وفيها الفرق الفنية عقد الجلاد والفرقة القومية وأما الغنائية والشرطة والفنانين الجنوبيين وسلاح الموسيقى والإذاعة السودانية والخرطومجنوب وفرق الكبار من الدكاترة الفاتح حسين وكمال يوسف وبشير عباس وحافظ عبدالرحمن وغيرها من الفرق والمطربين والموسيقيين . كل هؤلاء أسعدوا الجماهير وسعدوا هم قبل الجمهور بالتجاوب الكبير أولاً بالحضور المذهل وبالتفاعل المجنون بترديد كل مقاطع الأغنيات وكلماتها ومن شباب فى العشرينيات مما ينفي عن هذه الشريحة أنها اغتربت عن أغاني وطنها ولجأت الى الأغاني الأجنبية خاصة وان الأماسي أعادت الى الفنانين الكبار مكانتهم فى نفوس الشباب بهذا التوافد اليومي الضخم لا لفناني الشباب حسب المصطلح ولكن لهؤلاء الكبار فى عطائهم وإبداعهم وليس سنين عمرهم . وعائد آخر مهم لهذه الأماسي هو الاستمتاع بالموسيقي الخالصة دون مصاحبة مؤدي وهو مجال ابداع وامتاع تنجذب إليه كل شعوب العالم وكان الاعتقاد السائد عندنا أن الطرب هو عند المطربين ولكن هذه الأماسي شهدت ابداعات الفرق الموسيقية وعلى رأسها موسيقيين سلحوا أناملهم وملأوا عقولهم بالأصول العلمية للفن الموسيقي وهو أيضاً نتاج وثمرة طيبة لكلية الموسيقى والدراما فى هذا الجانب . الأماسي لم تكن ملهاة أو عمل للهروب من القضايا والمشكلات التى تواجه البلاد ولكنها كانت واجب على المبدعين والرسميين فى أن يعيدوا التوازن النفسي للسودانيين بعد أن انشغل أهل البلاد ولعقود بصراعات وإحتكاكات ومواجهات تنقلها وسائل الاعلام المحلية والأجنبية صباحاً ومساء ولولا طبيعة الشخصية السودانية ومسالمتها واطفاء بؤر التوتر بالفعل الإجتماعي والإذعان لرأي الجماعة لحدث الاضراب فى المجتمع لاختلال التوازن النفسي لمن يعايشون ويتأثرون بهذه الأحداث مباشرة فى مناطق الحروب والصراعات ولمن تكون تأثيراتها المباشرة على استقرارهم المعيشي والأمني والسياسي والاجتماعي . قرأت أن حكماء الهند كانوا يسمعون المريض الغناء ويزعمون أنه يخفف العلة ويقوي الطبيعة وبالأصوات المريحة ينوم الطفل وتحدى الإبل ويجمع السمك فى مزارعه وتصطاد الظباء والأسود فى مرابضها وقيل الغناء غذاء الأرواح وهو يصفي الفهم ويرقق الذهن ويلين العريكة ويثني الأعطاف ويشجع الجبان ويسخي البخيل . وندلل على صدق ماقرأنا أن طيلة أيام أماسي الخرطوم لم يسلك أحد من حضور هذه الأماسي اى سلوك غير راشد مع ملاحظة أنها ليالي مفتوحة ومجانية وتستمر قبيل منتصف الليل ولا وجود لأى قوة نظامية داخل مسرح حدائق المتحف القومي بل الموجود منها بالخارج كان لتنظيم حركة السيارات التى كانت تسد الشارع واقفة أو متحركة .