الكلام( الكبار) والمصطلحات الغامضة، وكل أنواع المعرفة هى الآن على قارعة الطريق، كماء السبيل ينال منه الغاشى والماشى وبلا حرج، فالتكنولوجيا تفعل ذلك أيضاً وتلغي نهائياً حكاية (مواطن عادي)! لقد فوجئت بمقال جذَّاب حول موضوع جاد جداً فى صحيفة سيارة تخاطب القارئ العادي-سابقاً. المقال محوره كلمة مركبة غامضة تجتاح العالم اليوم كالموضة بين عدة مصطلحات غريبة مثيرة للجدل، تعكس التغيير الجارف الذى تتعرض له البشرية جراء التعاطي مع ثورة المعلومات وتدفقها المذهل الذى لن يتوقف حتماً عند مفاجآت(ويكيليكس)، الذى هز عروش دول كبرى وقضى على العبارة التقليدية (سري للغاية)! قبل الإشارة للمقال علينا أن نروض أنفسنا ونعترف بأننا نتعرض لثورة هائلة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، نتيجة التقدم المذهل في استخدامات الحاسوب والإتصالات والبرمجيات مع رغبة عارمة للتغيير هنا وهناك للتغلب على المشاكل المتراكمة بأقرب الطرق وأنجعها. هذه المعلومات المتدفقة يومياً عبر النت وغيره من الوسائط الالكترونية التفاعلية لا تميز بين الناس، فالكل يمكنه أن يتعاطاها ويشارك عبرها على أعلى مستوى ويطور قدراته ذاتياً. تحت تأثير هذا المناخ المعرفي المحيط بنا طالعت مقالاً بعنوان:(الهندرة بين الحياة الاجتماعية والسلوك الإداري) نشره الأستاذ طه النعمان فى إضاءاته (11/12) كاتبه عبدالمنعم عوض الله بابكر جامعة القضارف، ولعله متخصص فى الإدارة لكنه يبدو متأثراً بأقلام منسوبة لمدرسة السهل الممتنع، فهو يكتب بلغة سلسة عن مادة علمية دون أن نحس بجفافها، يتناول أحدث نظرية إدارية من خلال تفاصيل الحياة فى أي بيت يعمل فيه أفراد الأسرة كفريق عمل ويعطى مثالاً مما يحدث فى مناسبة الزواج، حيث تُحسب التكاليف وتُوزع المهام وفق كفاءة الأفراد وإلتزامهم، وتراجع وفق جدول زمني لضمان نجاح المناسبة وحتى لا يعكر صفوها أى إخلال بالخطة، وكلنا جرَّب. فكرة فريق العمل التي يتحدث عنها المقال من واقع تجربة الأسرة اليومية تسيطر الآن على المؤسسات والشركات في مختلف أنحاء العالم. فريق متجانس توفر له المعلومات والإمكانات والموارد والثقة والتفويض والحوافز ليتحمل المسؤولية، ويضيف من ابتكاراته فيوفر الوقت ويرشد المال ويجود المنتوج.. هذه وصفات (الهندرة) التى اكتشفت كحل لمشكلة الإدارة التقليدية والبيروقراطية والجيش الجرار من العاملين بلا إنتاج يبرر التكلفة وينافس. المقال تبسيط لمنهج عبقري في الإدارة ويدفعني أسلوبه لإغتنام الفرصة والإضافة على سبيل نشر المعرفة بهذه النظرية الإدارية الحديثة مادامت هى قريبة من الناس لهذه الدرجة كما يذكرنا المقال.. إن كلمة (هندرة) مأخوذة من حروف كلمتين (هندسة الإدارة) وهى بمقدورها إيجاد الحلول لمشاكل الأداء وإشباع أشواق البشرية للحرية والرفاهية والحياة الفاضلة، إني سعدت بالإطلاع على خفاياها ومزاياها التي تجعل من يعمل يحس بأن عناصر التميز موفورة بين يديه ولا عذر لمن يأتي بعمل تقليدي بائس. كنت أعد دراسة حول الإدارة بالأهداف فى المؤسسة الإعلامية كصيحة جديدة أعقبت النظريات السابقة لها فصادفت من يقول لي بإشفاق (لا، الآن الأولوية للتخطيط الاستراتيجي) وذهب يمدح هذا الإتجاه حتى أقنعني بأهمية الربط بين التخطيط الاستراتيجي والإدارة بالأهداف، وفيما بعد التقيت بمن نصحني( خذ من الآخر) وهو ما يتمثل فى إعادة هندسة العمليات الإدارية والمعروفة إختصاراً بكلمة (هندرة ). هي لا تلغي سابقاتها، الإدارة بالأهداف والتخطيط الاستراتيجي والجودة، وإنما تنطلق منها لتضيف إنها تدعو الى التركيز على تعلم(كيفية) الإدارة، وتذكرنا بحكاية الإصلاح الإداري والثورة الإدارية التى بقيت توصياتها حبراً على الورق، فلعل في(الهندرة) إذا لم تقاوم فرصة لإسعاف للخدمة المدنية. (الهندرة) بمعنى إعادة هندسة العمليات الإدارية جاءت كطفرة لجهود العلماء منذ عهد فريدرك تايلور، وهو مهندس أصلاً ويعتبر رائد استخدام العلم فى مجال الإدارة ويرى أن الهندسة يمكن أن تحسن الإدارة عن طريق تقنية المعلومات التصميم السليم، توفير الوقت، التخصص، وتقسيم العمل، والتعويل على المهارات، التفويض، تشجيع النقد، تقليل عدد العاملين بدون ضحايا واختصار الهيكل الوظيفي بالإستفادة من تقانة المعلومات. (الهندرة) باختصار تطبيق مبتكر للعلوم والمعلومات والمهارات التي تمكن من التصميم الجيد للمشروعات، وإحداث تحسينات حاسمة فى إدارة المؤسسة بتوظيف التكنولوجيا والعلاقات الإنسانية، والتحفيز للإرتقاء بالأداء وتحقيق الجودة والخدمة السريعة. زيادة الإنتاج وتجويده هى الهدف الأساسي، والوصفة الناجعة تتلخص فى احترام الزمن وتحديد الأهداف، وتوفير المعلومات، والعقلية المخططة المبتكرة، التي تقبل التحدي وتطلق الطاقات عبر فريق مدرب متجانس مفوض لإتخاذ القرارات وتنفيذها، وقبل ذلك القيادة المتفتحة المواكبة التي تقبل التحدي. هناك مبادىء تحكم (الهندرة) أهمها القيادة المبدعة، القيم، تحمل المسؤولية والتأقلم مع الجديد والإحتفال بالنجاح، ومن شروطها تركيز المرء على جهوده وتجنب الأخطاء السخيفة كما يقول لنا مؤلف( ثورة إعادة الهندسة) الذي بيعت منه سبعة ملايين نسخة في مدة وجيزة، المهم إكتشاف الطريقة التى نؤدي بها عملنا وهي تتلخص فى( إفعل ما تقول). وأختم بأن أحمد الله ثم أرجع الفضل لأهله خبراء الإدارة بروفيسورعمر الباقر- عليه رحمة الله، وبروفيسور حسن عباس الذي أصبح الآن مديراً لجامعة عملاقة، وبروفيسور عبد المنعم محمد علي أحد المجددين فى مجال الإدارة، ودكتور عماد الدين محمد زين رد الله غربته وزاده علماً وألقاً.