تجري هذه الأيام حوارات ونقاشات حول مسؤولية رئيس التحرير عما ينشر في صحيفته.. ولماذا لا يشترك الصحفي أو الكاتب مع رئيس التحرير في المسؤولية.. هذا الأمر وجد نقاشاً ثراً ونال من الوقت ما يكفي ليصل النقاش غاياته من قبل، بأن رئيس التحرير هو لوحده المسؤول عن ما ينشر في صحيفته.. وقد تناولت كل قوانين النشر والقانون الجنائي في كافة أرجاء الكرة الأرضية هذا الأمر، وصار رئيس التحرير هو المسؤول الأول والأخير عن النشر في الصحيفة.. وفي قانون 2009 م أيضاً تطرق المشرعون لهذا الأمر وأقروا بالإجماع أن المواد تتحدث عن مسؤولية رئيس التحرير. أما الكاتب أو الصحفي المعد للمواد فهو غير مسؤول بحكم وظيفته عن المزالق المهنية والتحريرية والقانونية، لأنها جميعاً فوق معرفته وخبرته ودرايته بحكم السن وبحكم مسؤولياته التحريرية.. ومشكلة المسؤولية في الصحافة السودانية ذات صلة وثيقة بالقوانين التي تحكم الشروط اللازمة لكي يتم تسمية رئيس التحرير سواء من ناحية السن أو الخبرة، ولهذا شدد المشرع في المؤهل والخبرة العملية والسن.. وكل هذه العوامل مجتمعة إضافة لكونه لم تتم إدانته بجريمة مخلة بالأخلاق والشرف مما يستدعي استخراج شهادة براءة من المباحث الجنائية.. ولكن هناك تراجع وضعه المشرع بإمكان استثناء المتقدم لوظيفة رئيس التحرير من شرطي المؤهل أو الخبرة، مما نعتبره خطأ جسيماً يجب تعديله ومراجعة التصديقات الممنوحة لبعض رؤساء التحرير(استثناء). أنا أعلم بحكم خبرتي وتجربتي أن مثل هذا الحديث لن يجد الاستحسان ممن يقعون تحت بند الاستثناءات ولكنها الحقيقة.. والحقيقة مرة بضم الميم وذلك هو موطن الداء، فإذا كان هناك نقاش فقهي أو قانوني أو مهني فليكن في هذا الإطار.. أما أن يكون توجيه النقد لهذا البند في القانون بهدف تحميل المحرر أو الصحفي أو الكاتب مسئولية النشر فإنه سيكون مجافياً للمنطق ومتعارضاً مع أدق مسؤوليات رئيس التحرير.. لأن المحرر وبحكم وضعه في هيكل المؤسسة الصحفية ليس مسؤولاً عما تجيزه هيئة التحرير التي يجب أن تكون موجودة وفاعلة في أي مؤسسة، فرئيس القسم مسؤول عن المادة المكتوبة وعليه قراءتها وإزالة ما علق بها من مخالفات بحسب سياسة الصحيفة المعتمدة، والتي يعلمها ويلم بها القيادات وعلى رأسهم رئيس التحرير.. وسكرتير التحرير أيضاً مسؤول فوق رئيس القسم، ومدير التحرير مسؤول بحكم وضعه في هيكل المؤسسة، ثم تأتي بعد ذلك مسئولية رئيس التحرير.. وأي مؤسسة صحفية بحسب القانون يجب عليها أن تسمي في هيئتها القيادية هذه الوظائف التي بدأ مجلس الصحافة يشدد عليها مؤخراً.. لأن وجودها يرفع الكثير من الأعباء عن كاهل رئيس التحرير ومسؤولياته في المواد المنشورة على الصحيفة.. أما أن يذهب الناس صوب إشراك المحرر في المسؤولية الجنائية أو أي مسؤوليات أخرى إزاء ما ينشر في الصحيفة، فهذا فيه خروج عن الأعراف والدساتير وكل الإرث القانوني الخاص بالنشر ليس في بلادنا وحسب، وإنما في كل دول وبلاد الإقليم والعالم.. ونحن في اتحاد الصحفيين باعتبارنا شركاء في العمل الصحفي ومهتمين بالمهنية والتأهيل ورفع القدرات، مع النقاش المباشر والمفتوح حول هذه الأمور المهنية، ولطالما عرض هذا الأمر على صفحات الصحف، فإننا ندلي برأينا آنف الذكر عبر هذا المنبر.. أما ما تطرق له الأستاذ عباس إبراهيم النور حول السجل الصحفي الذي انتقل إلى موطنه الطبيعي اتحاد الصحفيين، والذي أودع للمجلس في ظروف نعلم أنه لم يكن بمقدورالاتحاد القيام بأعباء السجل.. فإن هذا الأمر في الأصل كان من اختصاص نقابة الصحفيين وهي التي ظلت ولفترة طويلة تستخرج شهادات السجل بعد أن يتقدم الصحفيون بطلبات للنقابة، وتحت يدي شهادة قيد منحت لي عام 1980 والأمثلة كثيرة ومتوفرة والأدلة ماثلة، فإذا كان الغرض من الكتابة تعضيد الخط المطالب بعودة السجل إلى المجلس لأي سبب من الأسباب فإننا نملك الدليل القاطع بأن السجل من اختصاص الاتحاد، وأن الاتحادات الصحفية في العالم من حولنا هي التي تمنح السجل، وأن من سبقونا في قيادة نقابة الصحفيين السودانيين هم الذين كانوا يمنحون السجل، وأن نقابة الصحفيين في مصر هي التي تمنح الصحفي السجل بعد استيفائه للشروط الخاصة بذلك.. وإذا كان الهدف من الكتابة أطماع أخرى مثل العائد المادي أو الإيرادات، فإن الاتحاد أحق بتلك الإيرادات على ضعفها وقلتها، وعدم إيفائها حتى برواتب الموظفين الذين يعملون في تنظيم عمل السجل، أما إذا كانت الكتابة مدفعاً أو دافعاً لغير ذلك، فإننا نرفض ذلك ومستعدون للمراجعة والتدقيق سواء في الإيرادات أو الانضباط في شروط منح السجل.. ولنا عودة حول العلاقة بين المجلس والاتحاد سواء من الناحية المالية أو من الجوانب المهنية، ونختزن الكثير من النماذج التي تجعل من المجلس خادماً للاتحاد ومنسوبي الاتحاد والصحفيين بصفه عامة من حيث التمويل وتقديم المساعدات المالية. في الختام أرجو ألا يذهب البعض بعيداً في تخيلاته عن الجدوى المادية أو عائدات السجل الصحفي الذي عاد إلى مكانه الطبيعي لدى الاتحاد الذي يمثل الصحفيين، إذا اعتبرنا المجلس معنياً بالصحف والمؤسسات الصحفية، وكل ماله صله بالمؤسسات والمؤسسية والإيفاء بحقوق الصحفيين.