ü من اليوم، بقي ثلاثون يوماً بالتمام والكمال لإجراء الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب.. ففي اليوم التاسع من شهر يناير 2011م يتدافق المواطنون على صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم للوحدة والبقاء مع الشمال في ظل سودان واحد موحد.. أو الخيار الثاني بأن يكون لهم وطن منفصل ودولة أخرى.. ونحن ظللنا في جريدتنا الغراء «آخر لحظة» ندعو للوحدة.. وننبذ فكرة الانفصال وتشرذم السودان وتقسيمه إلى جنوب وشمال.. وسوف تستمر هذه الدعوة حتى وإن قرر المواطنون الجنوبيون مصيرهم وأفصحوا عن رغبتهم الأكيدة لميلاد دولة جديدة لهم. ü موضوع الوحدة والانفصال سبَّب حالة من الذعر لكل ساسة السودان في شماله وجنوبه.. والخُلَّص من السودانيين أكدوا مراراً وتكراراً أن تمزيق السودان خط أحمر ممنوع الاقتراب منه.. لكن نقولها بكل صراحة إن غلاة الانفصال من سياسيي الجنوب ارتفعت أصواتهم عبر تصريحاتهم واتصالاتهم المشكوك فيها، ووجهوا بوصلة الجنوب لتكون صوب الانفصال.. ومع ذلك فإن أصواتاً تهمها وحدة الوطن وتماسكه يقفون في الجانب الآخر ويدعون للوحدة وحتى الآن. ü والحقيقة أن غلاة الانفصال نجحوا، بما لديهم من سيطرة على تقاليد الأمور في حكومة الجنوب، في خلق مناخ ضبابي، ونجحوا أيضاً في نشر الشائعات التي تطمس الحقائق وتلوي عنق الزجاجة، وتصوِّر الشمال وحكومة الخرطوم بأنها كابوس يجثم على صدر الجنوبيين وبالنظرة الدونية لهم.. والآن تكشفت كل الحقائق وظهرت للعالم أجمع مخاطر الانفصال ومزايا الوحدة.. لكن بعض القياديين من الجنوبيين يهدرون القيم لأغراض شخصية ويحجبون الحقائق عن الرأي العام الجنوبي. ü هناك الكثير من التدخلات الخارجية تعمل جميعاً لإشعال نار الفتنة والبغضاء بين الشمال والجنوب، وهذه التدخلات وراءها قوى معادية للسودان ولها أطماعها في ثروات السودان وموارده.. فالبعض ذهب بعيداً إلى الكيل بالاتهامات لحزب المؤتمر الوطني شريك الحركة الشعبية في حكم السودان كما نصت عليه اتفاقية نيفاشا.. وهذا المفهوم الخاطئ صور لهم أن حكومة الخرطوم لا تريد تنفيذ بند الاستفتاء، وتمانع في منح الجنوب حقه في التعبير عن رأيه وإرادته إذا ما اختار الجنوبيون الانفصال لتكوين دولة تميل للعرقية الأفريقية والمعتقدات الزنجية. ü حكومة الخرطوم التي وقعت على اتفاقية نيفاشا وارتضت بها وتعرف جيداً أن الاستفتاء بند أساسي من الاتفاقية وهو حق تقرير المصير للجنوبين حسب رغبتهم لاختيار الوحدة أو الانفصال.. والحقيقة- مها حاول البعض تلوينها- أن الخطة الرامية لتفتيت كيان السودان وجعله ضعيفاً، وتغيير نظام الحكم فيه، فهذه الأهداف وراءها القوى الغربية والإقليمية.. فقد عملت هذه القوى المعادية على تقديم الإغراءات والحوافز لبعص القيادات الجنوبية لجعل الانفصال وتكوين دولة تنشطر عن السودان الكل خياراً جاذباً للجنوبيين. ü استمر الجدل المثار بصورة مكثفة في الجنوب ولترغيب المواطن الجنوبي لاختيار دولته التي طالما حلم بها، وأنه آن الآوان لتكوين دولة مستقلة للاستفادة من ثروات وموارد الجنوب، وخاصة النفط الذي بظهوره في السنوات الماضية بصورة استثمارية، ووجود بعض آبار النفط في الجزء الجنوبي، جعل الكثير من الساسة يسيل لعابهم ويفكرون في الاستحواذ على كميات النفط المنتجة من آبار النفط في الجنوب، وهو الأساس القوي في تكوين دولة مستقلة عن الشمال.. وهم على حقيقة مؤكدة أن دولتهم الوليدة ستحظى بالقبول والاعتراف من دول الجوار الأفريقية وعدد من دول العالم الغربي.. لكن في كل هذا السباق المحموم نحو تكوين دولة ينسون أن هناك معاهدات دولية وعقودات عالمية موقعة من حكومة الخرطوم فهي التي نقبت عن البترول بالجنوب، ولابد أن تفي حكومة الخرطوم بالتزاماتها الموقعة، فحكومة الخرطوم ومنذ نيل السودان استقلاله ترعى الجنوب وتخصص له ميزانيته الخاصة، ولم تفكر يوماً في التخلي عن الجنوب.. فالجنوب على حالته الراهنة الآن.. أي بنية تحتية فيه وكوادره المؤهلة على قلتها هي من صنع الشمال ومدفوعة الأجر.. ولنا أن نتصور الآن كم شارك مشروع الجزيرة وكافة المشاريع المروية والمطرية، وكم من مصانع في الشمال وصادرات الولايات الشمالية شاركت في تنمية ونهضة الجنوب في صورته الحالية. ü عموماً: الشمال ليس نادماً على كل ما فعله بالجنوب، لكننا نقول على الساسة الجنوبيين أن يحتكموا للعقلانية وهم ماضون في طريق الانفصال، أن يفكروا ملياً بأنهم لا يمكنهم وتحت أي ظرف الاستغناء عن الشمال، لأن وضعية الجنوب الجغرافية تجعله دولة مغلقة بلا نوافذ بحرية ولا يمتلك طرقاً برية عابرة للقارات لتصدير منتجاته وخيراته وثرواته التي لن ترى النور قبل عشرات السنين.. في حالة وجود جدية والاقبال نحو بناء دولة بكوادر وسواعد جنوبية دون الاستعانة بالعنصر الخارجي الذي سيقف حجر عثرة في طريق تنمية الجنوب والنهوض بمواطنه.. ولا نرضى أن نرى الوعود البراقة المطروحة الآن التي كانت خطة مرسومة لتمزيق السودان وفصل جنوبه عن شماله.. وفرض قانون المناطق المعزولة الذي فرض سابقاً أيام المستعمر البريطاني وتذهب أحلام الساسة الجنوبيين غلاة الانفصال أولا وتتحطم أحلام وطموحات المواطن الجنوبي ثانياً.. لكن الحقيقة الناصعة والثابتة أن الشمال سيكون أيضاً فاتحاً ذراعيه لإخوته في الجنوب لاستيعابهم مرة أخرى ويتقاسم لقمة العيش معهم.