منذ ابتداء منبر الدوحة لسلام دارفور والمجريات التي صاحبت المفاوضات وفق سياسات وتوجهات الوسطاء، وبقراءة عميقة للوسائل وتقاطع رؤى الأطراف المشاركة في العملية السلمية كنا قد كتبنا في هذه المساحة عدداً من المقالات، أبرزها بعنوان دوران الدوحة في هذه المقالات وغيرها، أوصلتنا المعلومات المتاحة إلى توقع النتائج وهي ذات النتيجة التي وصلت إليها المفاوضات بإعلان الحكومة سحب وفدها المفاوض من منبر الدوحة وتفويض الوساطة لإعداد الاتفاق الختامي إنفاذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية بسحب الوفد، وتحقيقاً لإشارات النافذين القياديين بأن الحكومة حسمت زمن التفاوض ولن تبقى تتفاوض إلى ما لا نهاية. إزاء هذا الموقف المستجد في عملية سلام دارفور نحاول إضاءة بعض معالم السلام المنشود، ونستعرض بعض من المواقف التي مرت بعملية المفاوضات في منبر الدوحة وهي: أولاً: الوسطاء خاصة القطري بذلوا جهداً كبيراً لحشد التأييد الإقليمي والدولي لهذا المسار، وبذلوا جهداً في الاتصال بأطراف المشكلة ممثلة في الحكومة والحركات الدارفورية المسلحة، وفي عدد من المسارات حتى توصلوا إلى بداية المفاوضات التي بدأت بتوقيع مذكرة حسن النوايا مع حركة العدل والمساواة، وقبل أن تصفو سماء العلاقات ازدادت التوترات وتلاشت معاني مذكرة حسن النوايا وتوقفت المفاوضات مع هذه الحركة، بل وتصاعدت العدائيات بين الطرفين. وفي مسار آخر اجتهدت الوساطة من خلال عدد من دول الجوار والوسطاء الإقليميين والدوليين إلى تحقيق وحدة الحركات المسلحة والتي توحدت أخيراً في ثلاث مجموعات، هي مجموعة التحرير والعدالة بقيادة التجاني سيسي، ومجموعة خارطة الطريق ومجموعة طرابلس، وانخرطت الحكومة بعد توقيع مذكرة خارطة الطريق مع مجموعة التحرير والعدالة في مفاوضات نهايتها (انسحاب وفد الحكومة في نهاية ديسمبر الماضي). وفي مسار منظمات المجتمع المدني وهي أضعف الحلقات، إذ ظل ممثلو منظمات المجتمع المدني الدارفوري في وضع استقطاب بين الأطراف الفاعلة في عمليات سلام دارفور الحكومة من جانب والحركات المسلحة من جانب آخر، والمنابر المتعددة التي تتحدث باسم المجتمع المدني الدارفوري وعددها ستة منابر فاعلة أبرزها مجموعة هايدلبيرج، ومجموعة توحيد الحركات ثم مجموعة المنبرين ومجموعة الملتقى المدني الدارفوري الذي انعقد في الدوحة لدورتين بقيادة د. صديق أمبدة... ظل المجتمع المدني الدارفوري يمر من تحت أنف الوساطة في قطر من خلال مرجعيات متعددة ومتعارضة حتى اصطدمت الوساطة بالموقف المتأرجح للمجتمع المدني الدارفوري في زيارة الوسيط القطري والمبعوث الأممي لأهل دارفور في نهاية نوفمبر من العام الماضي، والأحداث التي صاحبت لقاءاتهما في زالنجي ومدينة نيالا. نعود الآن لمسار المفاوضات التي ظلت بين حركة التحرير والعدالة والحكومة، ومآلات هذه المفاوضات الطويلة، فقد حسمت المفاوضات عدداً غير قليل من القضايا الخلافية بين الطرفين في محاور التفاوض، ووصلت إلى القريب من نهايتها وبقيّ اختلاف وجهات النظر في عدد من المحاور مثل محور الإقليم، ومحور صندوق إعمار دارفور ومحور تمثيل دارفور في سدة الرئاسة وغيرها، وحقيقة لم تغب عن الأطراف الأساسية للمشكلة والوسطاء والمجتمع المدني الدارفوري والمجتمع الدولي هذه الحقيقة أن السلام الشامل المستدام لا يتحقق في تجزئة عملية السلام من خلال التوقيع مع مجموعة دون المجموعات الأخرى وفي غياب التنسيق أو توحد رؤى الحركات الدارفورية المسلحة، ومثال لذلك اتفاقية أبوجا مع فصيل السيد مني. أما الحقيقة الثانية في الجانب الحكومي الذي يحمل هموم النظام السياسي في المرحلة القادمة والاستفتاء ورجاحة جانب انفصال الجنوب وضرورة ترتيب البيت الشمالي ومواجهة تداعيات الانفصال، فإن جهة مشكلة دارفور وصفحتها لابد من طيها قبل الاستفتاء، لذا اتخذت الحكومة موقفاً حاسماً ثم انهت المفاوضات في الوقت المحدد ودون الوصول إلى اتفاق، فقد واجهت الحكومة أربعة مستجدات تقلل من أهمية السلام الجزئي مع حركة التحرير والعدالة والمفاوضة حتى في حالة توقيع اتفاق سلام قبل الموعد المحدد. أول هذه المستجدات الاضطراب ونزوع الثقة التي نشبت بين الحكومة وحركة مني الموقعة على اتفاقية أبوجا والمشاركة في الحكومة عقب الانتخابات العامة، مما دفع برئيس الحركة إلى البقاء في جنوب السودان ومن ثم الابتداء في إحياء الحركة عسكرياً من خلال إستراتيجية جديدة ظهرت في المواجهات العسكرية التي وقعت في الشهر الماضي في محلية دار السلام. أما المستجد الثاني هو إبداء حركة العدل والمساواة العودة للمفاوضات نتيجة للجهد الذي بذلته الوساطة والإشارات الجديدة التي صدرت لأول مرة من عبد الواحد نور بدراسة موضوع الانضمام للمفاوضات، وفي اتجاه الانضمامات الجديدة، فإن امتداد أجل الوصول إلى اتفاق بنهي الأزمة يكون مرتبطاً بالمجموعات خارج الطاولة. المستجد الثالث وهو مرتبط بالنقطة الأولى بوصول السيد مني إلى جوبا ووصول بعض من قواته والتي وجدت حسن الاستقبال من حكومة الجنوب، إضافة إلى وجود قيادات الحركات الأخرى المعروفة في الجنوب، وتوجس حكومة الشمال من استخدام حركات دارفور المسلحة في المماحكات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.أما النقطة الرابعة والتي هي إحدى المستجدات تحركت الحركات المسلحة نحو التوحد العسكري وليس في طاولة المفاوضات، مما يؤشر إلى رغبتها في إشعال دورة أخرى من العنف المسلح قبل التوجه نحو منبر التفاوض. المستجدات السابقة جعلت الأطراف المتفاوضة في الدوحة تتوجه نحو أوراقها خاصة الجانب الحكومي، فهل من سبيل إلى سلام قريب في دارفور؟ ونواصل،،