الفعل غير التقليدي هو الذي يأتي بنتيجة غير تقليدية.. وتكرار التجربة أو الفعل لن يجعله جديداً، أي أنه سيكون استنساخاً من تجربة سابقة، ويفقد بالتالي صفة الفعل غير التقليدي، لذلك لا نتوقع أن تشعل النار التي يوقدها أي ثائر أو حانق أو غاضب أو منفعل،لا نتوقع أن تشعل ثورة شعبية في بلد ما، بعد أن فعلت ذلك في تونس التي أشعل فيها بائع فواكه تقليدي يدعى محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على مطاردة الشرطة المحلية له ومصادرة بضاعته إضافة إلى تلقيه صفعة من إحدى الشرطيات، واحتجاجه على ذلك، وقبله الاحتجاج على عدم وجود وظيفة حكومية أو خاصة رغم تخرجه من الجامعة منذ نحو عشر سنوات. أشعل محمد البوعزيزي النار في نفسه ومات فاشتعلت كل تونس حتى أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي وجعلته تائهاً بين السماء والأرض لم تقبل به مالطا ولا فرنسا، بل قبلت به المملكة العربية السعودية التي استجار بها فأجارته لكنها منعته الاشتغال بالسياسة. بالأمس اشعل مواطن مصري النار في نفسه أمام مجلس الشعب وظل يهتف وحده (أمن الدولة يا أمن الدولة.. حقي ضايع جوة الدولة) وسارع سائق تاكسي إلى طفاية الحريق الموجودة في سيارته ليخمد النار المشتعلة في الجزء الأسفل من جسد المواطن الذي وجدت بحوزته بطاقة تحمل اسم (عبده عبدالمنعم حمادة جعفر خليفة المولود في العاشر من فبراير 1962م في مدينة القنطرة غرب محافظة الإسماعيلية وهو صاحب مطعم) وتدخل - حسب شهود عيان - رجال الإطفاء في مجلس الشعب لاخماد النار باستعمال طفايات حريق خاصة بهم ونجحوا في ذلك بعد أن كان الرجل قد صب البنزين على الجزء الأسفل من جسمه وأشعل النار ثم ارتمى على الأرض. نجاح ثورة تونس الشعبية المبني على اشعال محمد البوعزيزي النار في جسده، لا يعني أنه سيتكرر في حالة عبده عبدالمنعم حمادة - ان كان هذا اسمه - فالظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني يختلف بين مصر وتونس وان تشابه في عمومياته مع كل أنحاء العالم العربي.. ونظرة المواطن لأي حدث مرتبط بحدث مماثل سابق لن تكون إلا نظرة اشفاق لشخص حاول محاكاة حدث ما في مكان ما وينتظر ان يحصل على ذات النتيجة.. وهذا قطعاً لن يحدث مالم يتم ابتكار أسلوب جديد للبطولة أو التضحية. الثورات لا يحركها الفعل الخامل مثل الجلوس خلف (مناضد) النضال الوهمي وايصال الصوت عبر المايكرفونات للشعوب التي يعتبرها البعض منقادة ومطيعة تستحق أن تفرض عليها الوصاية الدائمة.. الثورات يحركها الفعل الثوري المؤسس علي منطق احتجاجي عالي المقبولية والاستجابة لدى العامة.. وإلا فإن.. القافلة تسير.