ليس هنالك ثمة شك، في أن الحالة التي سوف يكون عليها سودان (ما بعد الاستفتاء)، سوف تختلف تماماً عن سودان ( ما قبل الاستفتاء)، والذي تشير كل الدلائل والتوقعات إلى أن هذا الاستفتاء سوف تقود نتيجته إلى الانفصال(( separa tionوتكوين دولة (السودان الجنوبي) باسمه الجديد، على غرار (SOUTH Koreag North Korea)، ولكن السؤال المهم هو كيف يكون شكل السودان الشمالي بعد الانفصال؟ لا شك أن سودان ما بعد الانفصال سيشهد تغيرات جذرية وهيكيلة في بنيته: تغيرات سياسية واقتصادية، ولكننا نشير هنا إلى أن اتفاقية (نيفاشا) التي جاءت بتقرير المصير لأخوة الجنوبيين، لم تكن اتفاقية سهلة على الإطلاق، بل كانت اتفاقية شاملة وكاملة.. جاءت بعد مخاض عسير ومفاوضات ماراثونية أبلى فيها الأستاذ علي عثمان محمد طه والراحل دكتور جون قرنق بلاءً حسناً، كما قال الرئيس في خطابه الأخير في جوبا: (وصلنا محطة نيفاشا، الناس تعرف تفاصيلها والصبر على الحوار والتفاوض في نيفاشا استمر سنوات طويلة جداً، واضطررنا في مرحلة لتكملة عملية السلام، ورفعنا مستوى المسؤولية في المحاورين، لذلك كان اللقاء المباشر برئاسة النائب الأول آنذاك علي عثمان محمد طه، والأخ الراحل دكتور جون قرنق رئيس الحركة وجلسنا ثلاثة أيام وجاءوا بوثيقة، وكان الحوار الطويل حتى وصلنا إلى اتفاقية السلام بكل تفاصيلها وتعقيداتها.. هذه (الاتفاقية) ربما تكون أخذت منا الكثير، ولكنها أعطتنا الكثير وهو (السلام)، الذي لم نكن نحلم بأن السودان سوف يكون بلداً آمناً، بسبب الحرب التي صنفت كأطول حرب دارت رحاها في أفريقيا، والتي دمرت اقتصادنا وأخذت أرواح أبنائنا، وشردت الملايين من السودانيين، ولم تجلب إلا الفاقة والفقر والدمار والكوارث، حتى أصبحنا بسبب هذه الحرب من أفقر الدول في العالم، لذلك يجب أن نحافظ على السلام الذي جنيناه من (نيفاشا)، ولا نفرط فيه أبداً ولا نعطي فرصة أخرى للحرب كما قال الرئيس في خطابه: (نحن عشان مشاكل السودان لازم نزيل السبب الأساسي بتاعها، الحرب الدائرة في الجنوب عشان نحل مشاكل السودان لازم نزيل السبب بتاع المشاكل هو الحرب، وأنه لا يمكن حل مشاكل السودان بعيداً عن السلام، لذلك وضعنا السلام كهدف استراتيجي).. لقد صدق الرئيس: بدون السلام وفي وجود الحرب لم ولن تكون هنالك تنمية، ولا تعليم، ولا غذاء، ولا أمن ولا علاج، ولكن رسالتنا لأهل (السودان) جميعاً: ساسة ومواطنين هي يجب أن نتحد جميعاً في المرحلة المقبلة، والتي سوف تواجهنا فيها مصاعب وتحديات كبيرة وجسيمة وأمور عظيمة.. يجب أن نلتفت لها قبل فوات الأوان، كما يجب على ساستنا جميعاً أن يرتفعوا فوق الصغائر، ويتجاوزوا المرارات والضغائن والخلافات السياسية والحزبية الضيقة، وأن يفرقوا بين ما هو حزبي وما هو وطني، وأن تسمو الأجندة الوطنية على الأجندة الحزبية.. سادتي أن بلادنا مقبلة على إمتحان عسير وعظيم، ولكننا إذا تجاوزنا هذه الخلافات فسوف نجتاز هذا الامتحان، كما يجب ألا ندع الفرصة لتجار الحروب وسماسرة الفتن أن يبقوا بيننا، فهؤلاء لا يريدون لنا إلا الفتن والدمار، المهم أن نترك مساحة للسلام ونطرد الحرب اللعينة.. قال الفيلسوف الانجليزي بتراند راسل: (الحرب لا تقرر من هو على صواب، بل من بقي على قيد الحياة)، والحرب مذمومة منذ القدم، قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمة عقب حرب (داحس والغبراء): وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم: وما هو عنها بالحديث المرجم متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر اذا ضريتموها فتضرم فتعرككم عرك الرحى بثفالها وتلقح كشافاً ثم تنتج فتئم فتنتج لكم غلماناً أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع وتفطم كما أقر الرئيس البشير(بأنه سيكون حزيناً إذا انفصل الجنوب، ولكنه سيكون سعيداً لأن السلام جاء إلى السودان)، وزبدة القول بإنه حتى وإن جاء الانفصال، يجب أن نعترف بنتيجته.. والانفصال لن يكون نهاية علاقتنا بالجنوب، بل ستكون علاقة قوية ومتينة، كما قال الرئيس:(إن حجم المصالح والروابط بيننا في الشمال والجنوب غير موجودة بين أي دولتين في العالم، وإنه حتى في حالة الانفصال فإن الفوائد التي يمكن أن نحققها عبر الوحدة يمكن أن نحققها من خلال دولتين)، ويقيني أنه سوف يكون هناك مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة قوامه: الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وسوف تنعم بلادنا بالسلام والأمن والإستقرار والتنمية والرخاء.