أصدرت وزارة التجارة الخارجية حزمة من القرارات العاجلة لمعالجة تقليل حجم الطلب على الدولار من خلال تخفيف فاتورة الاستيراد من الخارج، حيث حظرت بعض السلع مثل الأثاثات والحلويات والمياه الغازية واللحوم المجمدة وغيرها، واستثنت الألبان الجافة، وأمن على ذلك بنك السودان الذي قام بتعميم القرار على كافة البنوك والمصارف بعدم التعامل مع السلع ابتداء من تاريخ قرار الحظر.. فهل هذه القرارات تخدم الغرض في الوقت الحالي أم تزيد الأسعار، لأن العارضين سوف يستغلون السوق بأنها آخر بضاعة وبأعلى سعر والمواطن يشتري؟ وألا يتعارض هذا القرار مع الاتفاقيات الإقليمية التي وقعتها الدولة والاتفاقيات العالمية التي تحاول الدخول فيها؟.. (آخر لحظة) حملت هذه التساؤلات وغيرها وطرحتها على أصحاب الشأن الذين تباينت آراؤهم حولها. تخوف المستوردون وخاصة مستوردي الأثاثات من المصير المجهول بشأن حظر الاستيراد وانتقدوا القرار خاصة بعض السلع التي لا توجد لها مصانع في السودان، وأكدوا أن هذه القرارات ربما تفتح الباب أمام التهريب.. وتساءلوا عن مصير العمالة الكبيرة التي تشتغل في هذا القطاع. واعتبر الأستاذ سمير أحمد قاسم رئيس شعبة المستوردين أن هناك أزمة نقد أجنبي غير مؤثرة لاستيراد كل السلع، لذا لجأت الدولة لعمل قائمة بحظر بعض السلع.. وقال إن الهدف الأساسي هو توجيه النقد الأجنبي إلى استيراد السلع الأساسية مثل «السكر- الدقيق»، لتشجيع الصناعة المحلية.. وبخصوص عملية إحلال بعض الواردات عقدنا اجتماعاً مع الشعب المتخصصة للمستوردين وهم متضررون لهم معارض وحوالي «20» ألف عامل، ومستأجرون «120» ألف متر مربع، واعتبروا أن هذا القرار مفاجيء وفي نفس الوقت يضر بمصالحهم، وخلص الاجتماع لإيداع خطاب محافظ بنك السودان ووزير المالية ووزير التجارة الخارجية بفك السلع التي وصلت إلى موانيء بورتسودان والشحن التي تم الاتفاق عليها، وطلبنا مقابلة معهم كما طلبنا فترة ستة أشهر سماح للمستوردين المتعاقدين ليتم شحن بضائعهم. وقال الأستاذ سمير بما أن هذا القرار جاء مقنناً من مجلس الوزراء وأكسب الشرعية، ففي هذه الحالة القانون لا يغير إلا بقانون وهذا مخالف.. وفي رده على هل تتعارض هذه القرارات مع الاتفاقيات وتعتبر مخالفة للقوانين، أكد أنه إلى الآن لا توجد مخالفة للقانون إلا أننا اتصلنا ببعض القانونيين لإعطائنا الفتوى، ووصف القرار بأنه ربما يكون وقتياً ويزول بزوال الأسباب، وأرجع أهداف القرار إلى تنشيط الصناعة المحلية، وقال إن الصناعة هي العمود الفقري للاقتصاد وبها نقلل مستوردي النقد وتزيد من الناتج المحلي الإجمالي، وفي نفس الوقت هذا لا يتم إلا بإزالة كل المعوقات التي تقف أمام التنمية والإنتاج، ومن أهمها تعديل القوانين وقوانين العمل وإيجاد التمويل المتوسط والطويل المدى ولتوفير العملات الأجنبية ونحتاج إلى حزمة قرارات.. وثمن دور والي الخرطوم لافتتاحه مفوضية تشجيع الاستثمار الذي طالبهم بتقديم طلباتهم إلى ديوان النائب العام ووزارة الصناعة والاستثمار في فترة أقصاها «7» أيام، ووصف البادرة بأنها طيبة.في نفس الوقت أكد خبراء الاقتصاد أن الهدف من القرارات زيادة احتياطات من العملة، ومعالجة ما يحدث من تصاعد من سعر الصرف، إلا أن هذه القرارات تتعارض مع الاتفاقيات الإقليمية والعالمية.أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم الدكتور محمد الجاك قال: إن الهدف من الحظر زيادة احتياطي العملات الحرة كما ينادي صندوق النقد الدولي، وكذلك معالجة ما يحدث الآن من تصاعد في سعر الصرف، إلا أن السلع التي أشير إلى تقيد أو إيقاف استيرادها لا تشكل نسبة كبيرة من الانفاق من قيمة الواردات التي تستوردها الدولة وإنما الزيادة في الحقيقة في واردات هذه السلع ارتبطت بظروف العرض الداخلية، وهذه ظروف مؤقتة، ولكن لن تكون مصدراً لتوفير عملات صعبة حرة بحيث أنها تؤدي إلى تخفيض سعر الصرف، لأن هناك بعض الطلب على الدولارللاستيراد متزايد لمدخلات الإنتاج، والدولة لا تستطيع أن تحد منه وهو يؤدي إلى انكماش الاقتصاد. وبما أن الدولة تتخذ سياسات تقوم على تحرير السوق، ليس هناك ما يبرر أن تتجه الدولة إلى تقيد الواردات، لأن هذا يهزم السياسة التي تتبناها الدولة، كما أنه غير مقبول لمحاولات الدولة للانضمام للسوق العالمية، وهذا يخل بشروط الاتفاقيات التي عقدتها مع السوق الإقليمية، وما اتخذ من سياسات في الفترة الأخيرة من زيادات للأسعار وتقيد للاستيراد هذه سياسات مستعجلة ولم تخضع لدراسة ونقاش مع مسؤولين وخبراء ولكن اتخذت بصورة يمكن أن تساعد في معالجة التحديات التي سوف تحدث إذا جاءت نتيجة الاستفتاء للانفصال، ولكنه رجع ووصفها بأنها معالجات بائسة وغير مدروسة وتزيد من ميزان المدفوعات، كما أنها تضر بالعلاقات الإقليمية والاقتصادية. الدكتور محمد الناير خبير الاقتصاد أكد أن الهدف من القرارات في الوقت الراهن يصب في المعالجة العاجلة لتقليل حجم الطلب على الدولار في ظل الظروف الراهنة، وذلك من خلال تخفيض فاتورة الاستيراد من الخارج، إذ تعالج قضية النقد الأجنبي وتساهم في استقرار سعر الصرف، كما أنه يشجع التوجه إلى الصناعة الوطنية، لأن المستهلك يجد نفسه أمام خيار واحد في المرحلة القادمة وهو أن المعروض الصناعة الوطنية، كما أنها فرصة للصناعة الوطنية أن تنهض بشرط أن يكون سعر الصناعة الوطنية يساوي أو أقل من القادمة من الخارج، وأن جودتها لا تقل عن القادمة من الخارج إذا توفر هذان العاملان سوف تنهض وتساهم وتنافس في المرحلة القادمة، ويجب أن يبحث المصنع السوق المحلي قبل قيامه ويجود صناعته وأن تكون كلفة إنتاجه منخفضة ليستطيع المنافسة، وهذا يقودنا إلى الاهتمام بدراسة الجدوى.. وحسب العقلية للقطاع الخاص، فإن دراسة الجدوى كلفتها عالية.. لذا يعتبرونها إهداراً للمال ويعتمدون على المعلومات المحلية وهذا خطأ، فلابد أن يضع المصنع ميزانية لدراسة الجدوى حتى يستطيع أن يقف على وجود سوق.. والجودة وتكلفة الإنتاج الحقيقية.وحول محاولات انضمام السودان للتجارة العالمية قال الدكتور الناير إن السودان عضو في الاتفاقيات الدولية والإقليمية ويسعى للانضمام للتجارة العالمية، بالتالي منع الاستيراد قد يبدو متعارضاً مع الاتفاقيات، ولكن ربما تكون هذه الإجراءات وقتية ويتم إلغاؤها لاحقاً إذا حدث وتم بناء احتياطي ربما يتم رفع القرارات تدريجياً... إلا أننا لابد أن نتساءل: بما أن السوق سوف تظل خالية للصناعات المحلية، فهل أصحاب الصناعات المحلية جاهزون لتغطية الفراغ الذي سوف تخلفه السلع المستوردة؟.. وبما أن لدينا مشكلة أساسية وهي عامل «المحاكاة»، أي قيام مصانع كثيرة متشابهة دون إيجاد سوق لهذه المنتجات، ما هو حل هذه المشكلة؟.. وبما أن أكثر من نصف المصانع المحلية متوقفة إما تماماً أو جزئياً لأسباب متعددة، فما هي الخطة العاجلة لمعالجة هذه المشكلة؟.. للرد على هذه التساؤلات اتجهنا صوب اتحاد الغرف الصناعية الناطق باسم الصناعيين المحليين في السودان، حيث تكفل الأستاذ الفاتح عباس قرشي نائب الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية الذي قال إن وزارة المالية بررت القرارات بأنها موضوعية نتيجة عن خطأ في السياسات، وأن هناك تغيراً نوعياً في مشاكل البلد بالتراكم في المشاكل في فترة طويلة بعدم وجود خطة واضحة للتنمية، مما أوجد مجتمعاً استهلاكياً.. إلا أننا نؤكد أن القطاع الصناعي رغم الضربات التي وجهت له، إلا أنه ما زال يناضل من أجل الاستمرارية، وهذه فرصة مناسبة، لأن المصانع التي تعمل سوف تسد الفجوة خاصة السلع الأساسية.. ومن واجب الدولة أن تراعي لذلك وترفع عنها الرسوم والجبايات التي تقلل من قدرتها التنافسية، لأن البلاد لا تحتمل زيادة أسعار. هناك سلع كثيرة مع التأكيد أنها صناعات محلية ذات جودة عالية، والمعلوم أن زيادة الإنتاجية تزيد من الجودة.. ورغم أن القرارات قاسية على المواطن، إلا أننا نقول إنه سوف تكون هناك زيادات في التكلفة لزيادة مدخلات الإنتاج، وعلى الصناعيين أن يفكروا كيف يتحملون جزءاً من التكلفة، لأن هناك جزءاً لا يمكن امتصاصه في تكلفة الإنتاج الثابتة وهنا يأتي استعمال السياسات الرشيدة.. وعلى المواطن أن يتحمل لأن هناك ما يبرر زيادة أسعار الإنتاج المحلي، مع التأكيد على الجودة العالية لهذه المنتجات وضمان فترة صلاحية أطول، لأنه إنتاج حديث غير موجود في المستورد ذي فترة الصلاحية القصيرة.. وعندنا مجالات سلع قادرة رغم المشاكل، على تغطية السوق ولن يكون هناك عجز.. وسوف نحرك الطاقات العاطلة في الفترة القادمة، وهذا يحتاج لتضافر الجهود. لا يوجد حل لعافية الاقتصاد المحلي خاصة الإنتاج الزراعي والصناعي، إلا إذا وجدت سياسات رشيدة وقرارات وزير المالية تقول إن هناك زيادات ثابتة قادمة إلا أننا نؤكد أن لدينا خطة كاملة للدورة وعقدنا مؤتمرات توعية وصلت إلى «20» مؤتمراً. ودعا الأستاذ الفاتح المستوردين إلى استيراد مدخلات الإنتاج التي يحتاجها القطاع الخاص ولا يفرض عليه رسوم تجارية، وتتعامل معه الدولة على أنه إنتاج محلي، وهذا استخدام أمثل للموارد، بهذا الفهم يمكن أن ننمي القدرات ونقول رغم ما آل إليه الحال ما زال القطاع قابضاً على الجمر ونسعى لافتتاح معرض منتجات صناعية وطنية، الغرض منه أن نرفع بعض المعاناة عن المواطن وتعزيز فكرة صنع في السودان، وننفي التهمة عن منتجاتنا وأن تنتهي فكرة الشراء بغرض التخزين وسوف تكون الزيادات موضوعية، لأن هناك فرصة أتاحتها الأزمة الصناعية ونحن محتاجون لاستغلالها. وفي رده على نهاية ما يسمى باقتصاد المحاكاة قال إن طاقتنا الإنتاجية لمجموعة من المصانع تساوي طاقة مصنع واحد في بعض دول العالم.