ومرة أخرى.. تأتلق الجنة أنهاراً وظلاً يضيء قمراً يهزم حلوكة الليل.. تحملني أجنحة (ساهرون) إلى المجرات البعيدة.. حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر.. أنتشي بفرح طفولي.. بل أعربد في جنون طير طليق.. أفرح حد الطرب والسموأل.. وهنا فقط هو الأديب.. والمحاور والمذيع.. يكشف ويكتشف لنا.. إمرأة استثنائية.. غنية المعرفة.. جزلة المعلومات.. أنيقة المفردة.. واثقة خُطى الحديث.. عالمة في حقلها.. هي الدكتورة.. سهام الخواض.. صدقوني فقد غمرني الدفء.. رغم تلك البرودة في أنصاص الليالي. يا له من حوار.. ويا لها من أمنيات تدفقت من (عقل) الدكتورة.. كشلال لا تعجزه صخرة، ولا تحد من اندفاعه جنادل أو شلالات.. ويا لها من وصفات ساخرة وسحرية.. تحاول جاهدة.. إلباس العافية إلى جسد (الدراما) العليل.. لن أحكي طويلاً كثيراً أو قليلاً.. عن الذي جرى في تلك الحلقات الثلاث.. أنا لا أملك ناصية الحديث.. تلك الربوة التي صعدت عليها الدكتورة.. كما إني لست (ريكوردراً) أفرغ .. فيه ذاك الوابل من روائع الحديث الذي تدفق من الدكتورة.. ولا يخلو الأمر من (حسادة) تمنعني من اشراك قرائي في تلك الحلقات التي استمتعت بها حد الدهشة.. إذاً ماذا.. هنا أقول.. بل للدكتورة وحدها أقول. سألك الأستاذ السموأل.. طالباً منك إجابة تلغرافية قصيرة.. سألك ماذا ترين في مستقبل الدراما.. في السودان.. كنت مراهناً ومتوقعاً.. بل باصماً بالعشرة أن إجابتك سوف تكون من كلمة واحدة (مظلم).. ولكنك فاجأت.. كل نجوم تلك الليلة الزاهرة والساهرة.. بموجات من التفاؤل.. ينبعث فقط من علمك الغزير وروحك المحتشدة بصور القاعات والمدرجات.. وأوجه طلبتك وطالباتك وعيونهم المشعة بالألق المتوهجة بالبريق.. نعم وصحيح.. بشكل قاطع وصارم.. إن كليتكم تلك قلعة مبهرة وبطن حُبلى بالابداع.. والامتاع.. والإشباع فناً وثقافة، وعلماً وأدباً، ولكن دعيني أحبطك.. بل أجعلك تمزقين دفاتر الطلاب.. وتهشمين (فصوص) الطباشير وتذرفين الدموع... وتغادرين (الفصل).. بعد أن تسرحين الطلاب.. (ليشوفوا ليهم شغلة تانية).. وإلا أين هي الشاشة.. أو المسرح الذي يحتمل إبداعكم والشاشات الفضية.. قد احتلها جنرالات (النقة) والذين لا يرون في المرأة إلا عورة تمشي.. وشيطاناً يغوي.. هل تذكرين عهد مولانا الطيب مصطفى وهو يطلب.. من (الكاميرا) ألاَّ (تباري) أي إمرأة وهي داخل المطبخ إلا إذا كانت في كامل ثيابها.. يلفها ثوب.. أو (قنجة)، ودلوني على إمرأة واحدة.. تدخل المطبخ.. وهي (ملفوفة) بالثوب.. وهل ننسى تلك الستائر المسدلة.. وهي تحجب حتى بعض أعضاء أجساد الممثلات الأجنبيات.. ضحكت في (نص) الليل.. وأنت تقولين إن إحدى الممثلات.. قد تحايلت على هؤلاء بوضع (باروكة) على رأسها.. ضحكت لأن السموأل نفسه قد أناب عن أولئك بأنهم سوف يقولون.. إن الباروكة تدخل في موقع.. مرة أخرى.. لا أود أن أصب (جرادل) من الماء المثلج.. على ألسنة لهب حماسك الملتهب وأنت تطالبين بإعطاء الخبز لخبازه.. إن كل الخبازين الآن.. المسؤولين عن الفن والغناء والثقافة والدراما.. وتحديداً الشاشات الفضية.. لن يسمحوا (لسبيبة) واحدة أن تتسلل خفية من خمار أو ثوب أو طرحة.. لتخدش حياء المشاهدين.. (القانتين) (الأطهار) الأخيار. ياعزيزتي الدكتورة.. إنك سوف تبحرين في بحر هائج ومتوحش.. وتحرقين في (كبدك) من غير طائل.. أقسم برافع السماء بلا عمد إنه وفي ظل هذا الجو المعتكر الجوانب أغبر.. إنك لن تساهمين في (دراما) تشبع المواطن السوداني المكلوم والموجوع.. ناهيك عن تصديرها خارج الحدود. سؤال هل يستطيع أي مخرج أو منتج أن يعيد أو يصيغ أو يعيد انتاج (خطوبة سهير)، وصورة في هذا المناخ التكفيري المتزمت المخيف، ومن هو ذاك المجنون الذي يغامر بتقمص شخصية والد سهير (المخمور).. والد سهير أقسم لك إنه سوف يجلد في (المحطة الوسطى) أمام كل الناس، وركاب الحافلات.. مرة أخرى لا أود أن أحبطك ولا أتمنى (تكسير مجاديفك)، ولكن هل تعلمين أنه و(قريب يوم داك وما طول) أفتى أحد علمائنا الأجلاء بأن تمثيل دور زوج وزوجة في أي تمثيلية حرام.. إلا إذا كان الممثلان هما بالفعل زوجان في واقع الحياة.. ولما سئل مولانا إذا كانا غير متزوجين أفتى سيادته.. هنا عليهما بالزواج بالفعل.. حتى تنقضي التمثيلية. كلمة أخيرة: أقول والله إنك وبعلمك الغزير والجليل هذا مفخرة للوطن وفخر لشعب هذا الوطن.. ولكن.. لن تضعي حرفاً واحداً من هذا البحر الزاخر باللآليء في خارطة الوطن.. وبما إن العلم والنبوغ.. والإبداع.. ملك مشاع للإنسانية، أتمنى أن تيممي عاصمة غير الخرطوم.. ولتكن القاهرة، عندها... إني أراهن إنك سوف تغيبين كل سموات الأمة العربية.. فأنت كنز من المعرفة يسعى على قدمين.. ولك التحايا.