قمت بزيارة لأحد الأصدقاء في مزرعته بأحد أطراف العاصمة، ولقد سخر صاحبي كل امكاناته في إنشاء بيوت محمية لانتاج خضروات مثل الطماطم والخيار والفلفلية في غير مواسمها، وفعلاً قام بتمويل إنشاء مجموعة من البيوت المحمية، وبدأ الزراعة فيها مستعيناً ببعض الزراعيين، لكن قابلتهم مشاكل عديدة لم يستطيعوا التغلب عليها كل هذه المشاكل ذات طبيعة تغطية- ولقد سجلت الزراعة في هذه المزرعة خسارات كبيرة وصار صاحبها يبحث عن وسيلة للتخلص من تلك البيوت المحمية التي كانت سبباً في خسارات مالية كبيرة له.. هذا الموقف جعلني استرجع تلك الإعلانات المكثفة عن البيوت المحمية، والإعلانات عن التمويل الميسر لاقتناء بيوت محمية من أجل انتاج ووفرة الخضروات، خاصة في ذروة الندرة، ورغم التكلفة العالية لتلك البيوت المحمية، غير أن هناك إقبالاً كبيراً عليها، هذه التكلفة العالية التي تفوق العشرين ألفاً من الجنيهات غير قيمة الأرض ووسيلة الري والكهرباء وغيرها، تعتبر عالية جداً بكل المقاييس رغم أنها تستورد من الدول العربية وعناصر تصنيعها بسيطة وغير مكلفة، هنا يمكن أن نتساءل لماذا تفشل زراعة البيوت المحمية عندنا في السودان؟ والفشل هنا يعني عدم جدواها الاقتصادية. وفي بساطة يمكن أن نخلص إلى أن هذا النوع من الثقافة الزراعية غير موجود عندنا في السودان، وحتى مناهج كليات الزراعة عندنا لا تركز على تدريسها، يعني أنها منهجية جديدة على الزراعة في السودان، ولا توجد قاعدة بيانات ومعلومات ومعرفة وخبرات حولها، ونأتي بين يوم وليلة لكي ننشرها ونجعل منها مصدراً للإنتاج الزراعي في البلاد، ونخصص لها ميزانية وسياسة تمويلية مقدرة، ذلك في حد ذاته مخاطرة كبيرة، لأننا لم نوفر الخبرة والمعرفة المطلوبة لتشغيل وإدارة البيوت المحمية التي تبدو إدارتها سهلة من أول وهلة، لكنها في الواقع عملية معقدة وتحتاج إلى خبرة عملية ملمة بالجوانب العديدة التي تحيط بمراحل هذا النوع من الزراعة، وكان الأجدر عند الدخول في هذا النوع من الاستزراع استجلاب الخبرات الفنية العملية، التي تشغل البيوت المحمية لتبقى في السودان لبعض المواسم الزراعية من أجل تدريب المزارع السوداني على تقنية البيوت المحمية- فمثل هذا النوع من الزراعة لا يحتاج بالضرورة إلى الأكاديمي الزراعي بقدر ما يحتاج إلى المزارع المتدرب والخبير بالزراعة المحمية. ونجد أن معظم البلاد الباردة الأوروبية والعربية لديها خبرات متراكمة في هذا النوع من الزراعة، وتلك البلد التي نستورد منها البيوت المحمية لديها الكثير من الخبرات في هذا المجال، وكان يمكن أن يرتبط استيراد البيوت المحمية بعملية التدريب المستمر الطويلة الأمد للمزارع السوداني، خاصة وأن البلد تفتقد الخبرات في زراعة البيوت المحمية وتركيبها وصيانتها من ناحية أخرى. ثم الأسعار التي تباع بها البيوت المحمية في السودان تعتبر عالية لحد كبير، إذا قارناها بأسعارها في الدول المجاورة التي تصنعها محلياً في أكثر الأحيان، فمثلاً في سوريا البيت المحمي أقل من نصف قيمته هنا في السودان.. ولقد قمت بزيارة احدى الورش التي تصنع البيوت المحمية ورأيت الخطوات البسيطة التي تتم بها عملية التصنيع، وليس ما يمنع من الاستفادة من الخبرة السورية أو غيرها في تصنيعها في السودان حتى تقلل من التكلفة ولعل أكثر العناصر (GALVANIZED) المكلفة هو الحديد المجلفن. إذ يمكن أن ينتج بواسطة الشركات الكبرى العاملة في تصنيع الحديد خاصة شركة جياد التي يمكن أن تنسق معها وزارة الزراعة لتصنيع منتج خاص بالبيوت المحمية المعفية من كل الرسوم الحكومية، لنحصل في آخر المطاف على مزارع محمية بأسعار معقولة، تمكن المزارع من الدخول في تجربة جديدة دون مخاطر تمويلية تهدد زراعته.