ندائي هذا للزعيم العربي (دينج بلايل) بمحلية (أبيي)، وهو الشجرة التي احتمت بظلها الوارف فصائل وأذرع الحركة الإسلامية بعد انتفاضة (أبريل) الوطنية المشهورة عام (1985م)، منطلقاً من إرثه ومنبته (المسيري) الإسلامي بمدينة (المجلد) وما حولها.. ومن ساحة داره انطلقت (رايات) الصمود عليها (لا إله إلا الله).. وواجه في ذلك أعتى وأشد المصادمات.. وكان إن أُطلقت القذائف والنيران أمام داره.. ما تزحزح عن رأيه أو موقفه أبداً.. فهو إذن مهما ناله من غبن فإن الله لا يضيع أجر المحسنين وللتشابك القادم في ثنايا هذا الاندياح في مقالتي هذه.. أمسك بذراع أخي ورفيقي بمراحلنا الدراسية الأستاذ(حسن دينج مجوك) ابن الزعيم.. الناظر (دينج مجوك) صديق ورفيق الناظر (بابو نمر)، حيث تزاملنا (أي حسن) في مرحلة المستوى الأوسط بمدرسة (أبي زبد) الأميرية.. بما فيها (أي أبو زبد) من صفاء وذكاء وترابط اجتماعي وثقافي.. بالمدرسة وبالمدينة العريقة.. ذات الإرث والتاريخ الوطني.. كما لا ننسى صديقنا وأستاذنا (محمد أحمد الطاهر أبو كلابيش) معلم اللغة الإنجليزية بالمدرسة.. الذي جرعنا من يراعه معاً.. والمندرج بعدها معلماً بالمرحلة الثانوية.. اجتهاداً وتفوقاً.. وأخي (حسن دينج) نابه عبر معي متفوقاً إلى (خورطقت الثانوية)، وإن افترقت بنا المستويات والسبل.. لكننا بين نوافذ الحياة نرعى ونسأل عن بعضنا.. وهو وإن كان من محلية (أبيي) الكبرى فهو لم ينفصل عن (أبيي) الصغرى.. وهو المسمى (بحسن) وهي رمزية للتعانق والتكاتف في هذه المنطقة التاريخية.. وإن فقدنا (الذكاء) وقعد بنا الفهم أحياناً عن إدراك بعض المنعرجات.. وتدافعات الأمواج التي تحمل أحياناً ما لا يفيد.. (فندائي) هذا إليه (أي حسن) هو للفت وتحريك الانتباه.. لأن الحياة دوائر متلاحقة وكما يقول المثل (رب ضارة نافعة).. والشاعر قديماً صدح وقال: جبل التوباد حياك الحيا ü وسقى الله صبانا ورعى فيك ناغينا الهوى في مهده ü ورضعناه فكنت المرضعا حتى قال: لم تزل ليلى بعيني طفلة ü لم تزد عن أمس إلا أصبعا وإن التداخل الذي أفضى بأسرتك بأن تناديك (بحسن) رغم أن والدك هو (دينج).. وبنفس الأثر والتطبع ارتضى الحاج (بلايل) أن يسمي ابنه (دينج) وهو من عرب المسيرية.. والتداخل بهذه الفجوات المتعايشة جعل النسيج ذا نكهة وصبغة حميمة، وحين غاب الحكماء سرت في المجتمع المتماسك تأريخياً.. هفوات جعلته ينساق وراء عدوى اليسارية والجهوية والعشائرية الضيقة.. ولم ينتبه للإرث وقراءة التأريخ بصيغة منطقية.. لا يشوبها العنف المفضي إلى تبادل الجفوة.. وهو ما أدى إلى إبراز (العضلات) وإن لكل غض(عضلات) لكنها ليست في كل أوان وحين للتنافر والغلبة.. فقد تكون للمصارعة الأخوية والتنافسية إلا أنها بهذه المنهجية المفضية إلى الفوضى والهلاك تصبح (ثأرات) متبادلة.. وسيبيد بعضهم بعضاً.. لذلك حتى في لقاءات العدواة يوجه النداء للعقلاء المؤمنين «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم.. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين»، ومن يقرأ التاريخ يزداد خبرة وعبرة.. هذا هكذا.. لأن هذين الأخوين (دينج) و (حسن) ولعمق الحميمية تدرك أن (دينق) من عرب (المسيرية) و (حسن) من (دينكا نقوك).. انظر إلى هذه العجائب في التداخلات والتعايش اللصيق.. فندائي إذن لهما هما الاثنين معاً أن يعبرا بالمفهوم القاصر المؤقت إلى براحات وساحات السيرة المجيدة لأسرهم بل آبائهم وأجدادهم.. كيف أنهم صنعوا تأريخاً ناصعاً.. لا نقول هذا من منطلق أو منظور (الملائكية) فالناس كلهم خطاؤون.. كما أشارت الحكم الأزلية المنجية (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، فالفئة الصامتة الكثيفة آن لها أن تنظر بعين الواقع حتى تستطيع لفظ وإبعاد النوايا والأيدي المخربة.. لأنني كما ذكرت لكم مراراً.. وفي ظل (الأسلمة) وليست (العولمة) لا تستطيع فئة أن تصنع واقعاً أو تاريخاً لوحدها.. وانظروا للدول الأوربية بعد أن تفرقت دويلات لم تقدر أن تجالد الآخرين مفردة، بل وحّدت نفسها في (اتحاد).. بل وحّدت عملتها (لليورو) وصارت تجالد الدنيا الأخرى بذلك.. ولا تحسبوا أن إسرائيل بمنأى عنكم.. بل لصيقة.. أما الذين حاولوا أن ينفردوا أو أن يتهاونوا بالآخرين فإنهم سيزولون ويمحون مثل جبال الثلج.. لأن آخرين قيل لهم (.. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..) فإن أعلن أخوكم (البشير) رئيس السودان الكبير صادعاً بالآية الكريمة (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال (أي/ الرئيس) ومن تخاذل عن (الشريعة) فلا يلومن إلا نفسه- يعني الانضباط- في المنشط والمكره.. لا نقول هذا.. لأن (دينج) ديانته الإسلام.. وأن (حسن) ديانته غير ذلك.. لا بل نريد أن نقول.. ومن عفا وأصلح فأجره على الله هكذا ينهج ويسعى (دينج).. ويقول (حسن) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن.. ومنهم من يلتقط ويلهج رافعاً صوته.. (.. ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) وتعجب الناس كثيراً أن تدور معركة بين (دينج) المسيري و (حسن) الدينكاوي.. وهما يصطلحان على التبادل الأريحي والتعامل فلما تدخلت أيد خربة أخرى وأججت بينهما الخصومة والتدابر والبغضاء.. قلنا للقادمين الجدد.. خلوا بين الأخوين ليجلسا معاً.. ولأنهما يعتصمان هما الاثنان بدرة الكتاب الخالد (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما،..) ولأنهما هما (دينج) العربي و(حسن) النقوكي.. فلم يستطيعوا (أي الدخلاء) أن يصلحوا شيئاً.. حتى ابتعدوا عنهما وخلوا بينهما.. فجلسا لوحدهما (عرب) و (دينكا) في (12/1/2011م) بمدينة (كادقلي) وخلال يومين.. تعانقا.. وأصلحا بينهما.. ولأن الصلح خير وإنها لعبرة ومدرسة تختلف عن كل الدروب والضروب الحربية إن كانت عالمية (أولى) أو عالمية (ثانية) أو (ظنية) قُتل فيها أفذاذ أبرياء في (العراق) ودكت بروق وصروح آخرين.. فلم يجن البغاة شيئاً.. ولأن الله رب الجميع يقول (.. والعاقبة لمن أتقى) فإذن ما دامت الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى.. فإن (نية)- دينق بلايل- الذي أعرفه هي أن يتماسكا بأيديهما أُنساً وترويحاً كلاهما معاً عبر (سوق) المجلد الشاهق العامر.. الناشط إلى الأمام.. ثم تشاور الأمير (مختار بابو) والناظر (كوال دينق مجوك) وهما يجلسان (براكوبة) في عمق (سوق) أبيي.. لا يخافان إلا (الفتن الأجنبية) على نفسيهما ورعيتهما.. فهلا تعانقتما يا (دينج) ويا (حسن).. ودعوا (القصر) يفعل ما يشاء.. وهذا ما اختاره (دينج مجوك) حين خيَّره الإنجليز عام (1951م).. فانظر ماذا ترى!!