من المعلوم ( سايكولوجيا) أن الناس بطبعهم ينشدون التطور ، لكنهم سريعا يألفون ما يتحقق ويتعاملون معه كشىء عادى بعد أن يكون ألهب طموحاتهم نحو المزيد فالدنيا حولهم تتغير وسريعا ما يلتفتون الى ماهو أكثر تطورا لبلادهم وأكثر إستجابة لتطلعات فئات جديدة ممن لحقوا بركب الحياة من أجيال جديدة لها رأيها وتطمح لترك بصماتها هى الأخرى( لماذا لا ؟) . إن منهج إدارة الحياة فى عالم اليوم مختلف تماما عن الأمس وهو من منتجات هذا العصر كعصر ثورة تقنية كاسحة وثقافة جديدة تعتمد على أسلوب مبتكر يتشكل من منظومة متكاملة قوامها المشاركة والتحفيز والإضافة والتميز والمنافسة . إن أحدث نظريات هذا العصر وهى الجودة الشاملة بلغت من التحفيذ درجة مراهنتها على هذه المنظومة المتكاملة وركزت على هدف واحد أساسى هو ( إسعاد الجمهور) أى تحقيق مالايتوقعه ، وليس فقط ما يتوقعه أو يطالب به . هذه هى ثقافة العصر ، النظر الى مالا نتوقع والى ماهو أكثر يسرا لبنى البشر وبمشاركتهم هم . والروشتة المعتمدة لذلك هى تجويد العمل ، الإضافة ، التحسين المستمر ، الإسعاد . تعين على ذلك التكنولوجية والمعلومات وأصحاب العقول المجددة التى عينها دائما على الجديد الذى ينافس ويستمر. كيف نستمر بوسائل تقليدية فى عالم هذه ثقافته وآلياته وحولنا تتوالى أفعاله . خلاصة الأمر إن العالم كله مشغول بالبحث عن حلول فيها إبداع وليست تقليدية . الأمر يعنينا مادمنا جزء من هذا العالم ولا نرضى بدور المتفرج وكأن ما يجرى حولنا شىء مفصل فقط على الآخرين ، فهذا موقف سلبى جديد ومدعاة للمزيد من السلبيات . إن العالم لن يتركنا وحالنا ، والأمثلة ماثلة وأدنى غاياتهم أن نتحول الى مستهلكين فقط ،غافلين عن هويتنا . الأمر الواقع وطبيعة أهل السودان وتماسكهم وطموحاتهم جميعها عوامل ضد هذا وضد السلبيات . والآن تأتى معطيات العصر لصالحه . العالم يتغير ثائرا على السلبيات التى تراكمت مع مرور الزمن وغياب الوعى بأهمية المعلومات والشفافية والمشاركة . يجب علينا أن نبادر بملاحقة السلبيات التى تراكمت ، حتى لاتشكل كارثة ترهق كاهل البلاد وقد هدته الأزمات وبلغت به ما بلغت ، فأى تعويض وأى تداوى غير سيل جارف من الإيجابيات والحوافذ والإبتكارات والممارسات غير التقليدية من كل فرد ومن أى مؤسسة . هى عملية كبيرة متكاملة تلمس كل مجال وكل مؤسسة بشىء يجدد الروح ويفجر الطاقات . إن كل هذا الذى تمنيناه وأكثر منه يقع بين طيات دعوة لثورة جديدة فى البلاد أطلقها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير فى إحدى لقاءاته الأخيرة بمناسبة إعلان نتيجة الإستفتاء على مصير الجنوب . هل تلقفت هذه الدعوة جهة مختصة بتفجير الطاقات ومكافحة الإحباطات والسلبيات وما استجد بعد إعلان إنفصال الجنوب ؟ . هذا التوقيت يجعلها دعوة لإعادة ترتيب البيت الكبير من الداخل بعد أن حدث ما حدث وذلك من باب التعويض والتهيئة للإنطلاق بروح جديدة ، ثم هى دعوة تتوافق مع ما يجرى إقليميا فى عالم مضطرب تتنازع قيمه بين موازنات الأجيال . هى دعوة مؤهلة لأن ترى النور فالتنفيذ هو المحك دائما . لقد بادر بها رأس الدولة فى مناخ جديد يحرض على التغيير الذى يغذى أوصال الدولة ومفاصلها ليستقيم أمرها كدولة مؤسسات . لابد أن هناك جهة إختصاص تتولى تجسيد هذه الدعوة عمليا التنفيذ هو ما ينقصنا أصلا وليست النظريات والخطط ولا الوعود . إن اطلالة هذا العام تزامنت مع متغيرات ضخمة فى بلدان حولنا تشكى ضعف التنفيذ لصالح المواطن ، ثم إن هناك فى نفس الوقت مناخا تشكل يالداخل جراء الزيادات الأخيرة فى الأسعاروتجربة إنفصال الجنوب . وفيما يشبه الإستنجاد تداعت مبادرات لعمل ملموس ولحلول كبيرة لمحاصرة السلبيات حتى لا تتفاقم . هناك أولوية منحت لإستيعاب الخريجين ، وتمت معالجات لمقابلة الزيادة الأخيرة فى الأسعار ، وأخبار عن بترول الشمال وإعادة هيكلة الدولة . لكن هذا وغيره كثير محكه الاستمرار والتعزيز بخطط عملية وبتدابير ناجعة تلبى آمال المواطنين بإيقاع أسرع . العمل هو المحك ، بل العمل غير العادى ولقد أرادها الرئيس (ثورة) وليست بأية تسمية أخرى . إن الحديث عن ثورة هو تقدير عال للحاجة الى تغيير لاتحدثه الإجراءات العادية وآلياتها التى لم تعد من منسوبات هذا العصر الذى فجر هذه الطاقات الإلكترونية والبشرية من حيث لم يحتسب أحد باعتراف الجميع . الحاجة الى ثورة تحدث تغييرا حقيقيا وتلبي مطالب المواطنين مباشرة أمر يحتاج لثورة أخرى متاحة بيننا يجب أن نتعامل معها وهى ثورة الأتصال والتكنولوجيا التى جعلت كل شىء عرضة للتغيير لمواكبة العصر - كعصر سرعة ومعلومات وشفافية وإسعاد للجمهور بضمان حقه فى المشاركة ، وهذه هى الأيدلوجية السائدة الآن عالميا توحد الشعوب وآثارها آخذة فى الظهور لتتسرب دون إذن من أحد . الأخبار وردود الأفعال فى هذه الآونة تعطى قراءة بإن هناك خطوات قوية مطلوب إتخاذها فى إتجاهين متكاملين ، الأول تلبية دواعى إمتصاص الغبن جراء الغلاء وشظف العيش وضمان فرص التعليم والعلاج والعمل ، والأمر الثانى نهضة شاملة ظلت مرجوة منذ الإستقلال شرط تحقيقها هو الإلتزام القاطع بما ورد أولا - وخلاصتها العدالة الإجتماعية . مطلوب الآن تفكير جديد بإرادة وطنية غيورة وآليات رشيقة شفافة تجدد عزائم الناس وتشركهم وتعدهم بالعدل والإحسان وتفعل معهم ما تقول لهم . النتيجة مؤكدة ولكن فقط برؤية هدفها الإكثار من الإيجابيات بدرجة إغراق محيط السلبيات المتراكمة ، رؤية لا تقبل بغير عمل متميز من كل مسؤول وكل فرد فى موقعه ، عمل فيه إضافة لما اعتاده الناس وبمقياس التغلب على سلبيات تكالبت على الدولة والأداء العام عله ينهض بعدها بالبلاد وفق معالجات جديدة تستعصم بقيمنا وتتحلى بروح العصر وتسعف حاجة البلاد الآن - هذه المعالجات ضرورية وإن لم تكن فى الأمر ضغوط أو مظاهرات .