عبدالرحمن محمد حمد أبو مدين شخصية معروفة من أبناء مدينة الكرمك، خريج جامعة الخرطوم إدارة أعمال، كلف وزيراً للمالية بولايته في بدايات الإنقاذ عام 1994م، ثم وزيراً للمالية بولاية غرب دارفور في عام 1996م، ووالياً للنيل الأزرق في عام 1997م، وحالياً رئيس حزب المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق.. التقت به «آخر لحظة» في مكتبه بمدينة الدمازين، وأجرت معه حواراً حول المشورة الشعبية.. هذه القضية المهمة والتي تحدث عنها بكل وضوح وعن المشاكل التي صاحبتها أثناء ممارستها في بعض المناطق.. فلنتابع معاً مجريات هذا الحوار: في البدء نود أن تعرف الإنسان البسيط بالمشورة الشعبية، ماذا تعني؟ - حقيقة أريد أن أؤكد أن أكبر إنجاز حققه السودان بعد الاستقلال مباشرة هو اتفاقية السلام الشامل التي اهتمت بالجوانب الأمنية، وغير ذلك من المشاركات في الجوانب التنموية وتقديم الخدمات لأبناء الولاية لحكم ذاتهم، بجانب مشاركتهم في الحكومة المركزية.. واعتقد هذا هو ملخص الاتفاقية أمنياً وغيرها، وحقيقة خلال الفترة الانتقالية حدثت زيادة تنمية وتطوير خدمات بالولاية. والمشورة الشعبية يعنى بها آلية لتقييم ما تم تنفيذه من خلال الاتفاقية وما لم يتم تنفيذه.. ولماذا لم يتم تنفيذه.. وكيف يتم تنفيذه، حتى يتم إكمال تسوية النزاع في ولاية النيل الأزرق بنسبة (100%)، أو يمكن القول هو آلية في إطار الاتفاقية التي خرجت منها من جانب النظام والبرتوكولات وغيرها كحق من حقوق أبناء النيل الأزرق ومواطنها في تنفيذ الاتفاقية، وحقيقة المشورة الشعبية تبدأ بما يسمى بالحزم الأربع والتي تكون فنياً وسياسياً وخدمياً ودستورياً متفقاً عليها، والطريقة التي يمكن أن يتم بها أخذ الرأي، أولاً تتم التعبئة لتعريف إنسان النيل الأزرق بمعنى المشورة الشعبية من ناحية قانونية وحقوق وغيرها، وهذه المرحلة تمت في بداية المشورة، وهنا لابد أن نشكر أعضاء المجلس التشريعي بالولاية، لأن تكوين المفوضية تم بطريقة متفق عليها بين الحزبين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، واعتقد هذا كان أساس الانطلاق سوياً كأبناء الولاية في تنفيذ الاتفاقية، وهنا المفوضية أدت دورها تماماً، حيث إنها قامت بتكوين اللجان الفرعية وقياداتها من 13 حزباً من المؤتمر الوطني، و8 من الحركة الشعبية، وبعد ذلك انطلقوا نحو الخطوة الأولى في التعبئة، ولكن أريد أن أقول إننا كمؤتمر وطني الحركة الشعبية سبقتنا في التعبئة، ولكن التعبئة كانت مبنية على العاطفة دون الرجوع إلى الجانب العلمي، وأول خطوة قمنا بها كمؤتمر وطني تثقيف أعضائنا في المجلس التشريعي بعمل ورشة في الخرطوم لتعريفهم بالرؤى الحزبية للمشورة الشعبية المنطلقة بأن تجربة النظام الحالي أو النظام الفيدرالي تبناه الحزب من خلال ممارسته منذ عام 1994م، واستمر حتى الآن بتنفيذه لاتفاقية السلام الشامل، وثانياً إننا نعتقد أن هناك أشياء قامت ويجب ألا نظلم الحكومة المركزية، فهناك تنمية قامت بالولاية لحد ما، وهناك تنمية تم تقديمها في الولاية كخدمة المياه والطرق.. فكل من يزور الولاية حالياً يلاحظ أن هناك اختلافاً في شكل الولاية مقارنة بالسنتين الماضيتين، ولكن ما تم الاتفاق عليه من خلال عمل الحزبين أن يكون الهدف من المشورة الشعبية المزيد من السلطة والمزيد من التنمية والمزيد من الخدمات والمزيد من استثمار الموارد الموجودة بالولاية، وهذه خطوة أولى، أما الخطوة الثانية بعد التعبئة جاءت مرحلة أخذ الرأي المباشر وتم الاتفاق على توزيع المراكز الموجودة بالولاية والتي عددها 116 مركزاً، وهي مبنية على المراكز التي أعدت للانتخابات لممارسة المشورة الشعبية، باعتبار أن المسألة مرتبطة بأخذ الرأي والتعبير وقمنا بمنح فرصة للمواطنين كاملة للتعبير عن رأيهم، وملخص ما دار في المرحلة أن أغلب مواطني النيل الأزرق طالبوا بالمزيد من التنمية والخدمات، وانقسم أيضاً المواطنون ما بين مطالبتهم النظام الفدرالي وكانت نسبتهم في حدود ال70%، والذين طالبوا باللافدرالي بنسبة 30 - 40 % . طيب متى سيتم إعلان النتيجة رسمياً؟ - ليس من حقي الآن أن أعلن الأرقام ولكن نتركه للمفوضية والتي ستعلنها في الأيام القادمة وهذه كمرحلة أولى، كما هناك شيء آخر حالياً أننا بصدد أخذ رأي النخب في المشورة الشعبية وحتى الآن لم يتم الاتفاق على كيفية أخذ رأيهم، ولكن سيكون هناك اجتماع بين المفوضية والحزب للاتفاق على رؤى معينة حول موضوع النخب وكيفية أخذ رأيهم، باعتبار أن رأيهم يختلف عن رأي المواطن العادي الذي يقول في رأيه أريد التنمية أو أريد الفدرالية، ولكن النخب رأيهم يحتاج للنقاش وتقييم أوراق عمل ومناقشتها والجدال حولها، وبناءً على ذلك يتم اتخاذ رأيهم، أما في المرحلة الثالثة من المشورة الشعبية سيأتي فنيون لا ينتمون للمؤتمر الوطني ولا للحركة الشعبية، كمعهد السلام، بجانب مفوضية تقييم السلام الذين يقومون بتقسيم ووضع وترقيم النتائج بشفافية وحيادية تامة، والنتيجة التي تظهر في هذه الخطوة لها خياران، إما أن تتفق عليها الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بعد قناعتهم بها ويجسلوا سوياً لمؤسسة الرئاسة لرئيس الجمهورية ونائبه، وفي حال اتفاق الشريكين على مطالب المشورة بأنها سليمة وصحيحة يتم إصدار قرار جمهوري لتنفيذ هذه المطالب خلال مشاركة معينة وتفويض يتم بين المفوضية والمجلس التشريعي بالولاية ومؤسسة الرئاسة، وفي حال إصدار القرار يصبح هناك إعلان لتسوية النزاع في النيل الأزرق.. أو الخيار الآخر في حال عدم وصول الأطراف لاتفاق، يتم الرجوع إلى مجلس الولايات الذي يقوم بعمل يكون مجرد نصيحة وتعود المسألة مرة أخرى لطاولة مؤسسة الرئاسة والمفوضية، وإذا لم يتم الاتفاق حول المطالب أيضاً يكون الرجوع إلى طاولة التحكيم، وهذه هي الخطوات التي تتم بها المشورة الشعبية، ولكن في رأيي يفضل أن يتم الاتفاق حول المطالب من الولاية باعتبارهم أهل البيت، على الشيء الذي يريدونه تفادياً لتأخر الولاية من جرجرة المسائل القانونية وغيرها. من خلال متابعتنا أن عملية المشورة صاحبتها بعض المشاكل خاصة في بعض المناطق التي تتمركز فيها الحركة الشعبية، حدثنا عن ذلك؟ - حقيقة المشورة الشعبية تمت بالولاية بنسبة لا تقل عن ال70%، أما سبب المشاكل يعود إلى أن الحركة الشعبية كما قلت آنفاً، سبقتنا في عملية تعبئة القواعد من كل الجوانب وصرفت كثيراً من الأموال وساهرت الليالي، ولكن عندما جاءت النتيجة كانت مفاجأة لها ولم تكن تتوقعها، مما جعلها تنفعل وجاءت الأحداث تعبيراً عن عدم الرضا بالنتيجة، وأول ما حدث من الأحداث في منطقة «سمع ودكة»، وهي أحد المراكز التي أخذ فيها رأي المواطنين في المشورة الشعبية، وحدث صراع في هذا المركز بين الحركة الشعبية وحاملي السلاح هناك عندما منع أحدهم لجنة المفوضية من الدخول إلى المنطقة رغم وجود الحركة الشعبية، وكان هذا الأمر لنا عادياً ما دام الحركة الشعبية رفضت ذلك، وتفادينا المشكلة تحسباً من إراقة الدماء.. وثانياً الحركة الشعبية أيضاً تفاجأت في مدينة «الكرمك» بالرغم من أنها معقل الحركة الشعبية، ولكن أهالي المنطقة تحدوا الموقف وعبروا عن رأيهم وكانت النتيجة بنسبة 86% لصالح الفدرالية، كما انتقلت الحركة الشعبية إلى مناطق الأنقسنا وكانت هناك أيضاً حرية كاملة لتعبير المواطن، فلم تستطع الحركة الشعبية منعهم، فلجأت إلى استخدام الحجارة والتهديد وغيره، هذا ما فعلته الحركة الشعبية في منطقة «أم قرن» بمسافة (12) كيلو متراً من الأنقسنا، ومن هنا الملاحظ دائماً أن محل وجود المؤتمر الوطني بكثافة يتعرض للتهديد من قبل الحركة الشعبية حتى لا يلعب المؤتمر الوطني دوره، وكما قلت إن التهديد وغيره ناتج من عدم الرضا بالنتائج، أما من جانبنا قمنا بعمل تعبئة لقواعدنا وصبرنا على كل ما يحدث باعتبار أن أمامنا هدفاً إستراتيجياً مهماً جداً لابد من تحقيقه، لذلك كنا نتساهل في كثير من الأمور من أجل الانتقال إلى مرحلة أخرى، وحتى إعلام الحركة الشعبية المتمثل في وزيرها، منع المفوضية من إعلان وتوضيح بياناتها، وذلك لعدم ثقتها بنفسها بالرغم من أنها قامت بتهيئة مكثقة للجماهير، ولكن مع ذلك لم يحققوا أي نتيجة، ورجع ذلك لتجربتنا السياسية والتي لا تقل عن العشرين عاماً في العمل السياسي، مما جعلنا نستطيع اجتياز المرحلة ونتوقع في اليومين القادمين معرفة النتيجة. قيل إن الحركة الشعبية تمثل مركز ثقل بالولاية، والمؤتمر الوطني ليس لديه وجود في الولاية؟ - من قال لك ذلك، فلننتظر النتائج ونرى ماذا سيحدث عندما تعلن، فإن رأي المؤتمر الوطني سيطغى على رأي الحركة الشعبية، ويؤكد أن نتائج الانتخابات لم تكن سليمة. انفصال الجنوب أصبح واقعاً، فما هي قراءتكم للواقع السياسي بالولاية بعد إعلان الانفصال؟ - حقيقة تنبأت في شهر رمضان الماضي وأنا كنت واحداً من الوفد الذي ذهب إلى الجنوب، وقلت إن الجنوب في طريقه إلى الانفصال.. وقلت ماذا بعد الانفصال؟.. وحقيقة بعد الانفصال سنتأثر من ناحية وجود جيش الحركة بالولاية، وأول قرار مطلوب بعد المشورة الشعبية هو إخراج الجيش الشعبي إلى الجنوب حتى لو كانوا من أبناء الولاية، وثانياً لا يوجد شيء يسمى جيش مشترك بعد إعلان نتائج الانفصال، ولكن من مسؤوليته أن يكون في الحدود، لأن الحدود لم تعد حدوداً إقليمية، إنما حدوداً دولية بين دولتين متجاورتين، وستتأثر بأي تأخير في هذا الجانب، وكذلك الحركة الشعبية عضويتها في الشمال تشعر حالياً بنوع من الإحباط وفي داخلها تساؤلات من سيقوم بتمويلها وغيرها من الأسئلة. قراءتك لوجود الحركة الشعبية في الشمال بعد الانفصال؟ - أنا اعتقد أن الحركة الشعبية عملت للانفصال بنسبة 98%، وبالتالي يصبح الحزب قد انتقل بأكمله إلى الجنوب، وفي نهاية ترتيبات الانفصال سيكون الوضع غير مريح لوجود الحركة بالشمال، باعتبار النتائج المترتبة عليها بعد الانفصال من الناحية التمويلية والعضوية لارتباطهم برئاسة الحركة الشعبية في جوبا، كما أن هناك مشكلة في الحدود ومشكلة الرعاة وموقف الأراضي الزراعية وغيرها، ولكن من خلال تكوين اللجان يمكن الوصول لحل لهذه المشاكل. خططكم المستقبلية كحزب للمؤتمر الوطني بالولاية؟ - حقيقة عندما كلفت بأمر الحزب بالولاية في العام الماضي، أتيت بعقل مفتوح وبهدف أساسي وهو القيام بجمع صف المؤتمر الوطني، وهذا ما حدث إلى حد ما، فكل أعضاء الحزب انخرطوا في مؤسسات الحزب في المكتب القيادي وفي الأمانات استعداداً لمواجهة المشورة الشعبية، ولولا وحدة صف الحزب ومؤسساته لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، وهذا يقودنا إلى المزيد من الاستقرار بإزالة الشغب الذي كان يحدث من الحركة الشعبية في الشوارع وغيره تعبيراً لعدم رضائهم، واعتقد أن كل الأشياء تتلاشى تلقائياً وسيكون في حدود الجيش السوداني، كما سنقوم بتقوية الشرطة والأجهزة الأمنية لإحداث الاستقرار حتى يتمكن المستثمر من بناء المؤسسات الخاصة به وتشجيع الاستثمار، كما أريد أن أوضح أن في المشورة الشعبية حتى الآن موقف الوالي كمنتخب غير واضح، وهناك المجالس التشريعية والمجلس الوطني وستكون هناك منافسة شديدة في انتخاب الوالي بانتخابات حرة مباشرة، وفي حال استمرار الوالي المنتخب سيكون هناك تعاون معه من خلال مؤسساتهم في المجلس التشريعي، في النهاية هدفنا الأساسي كيفية خدمة هذا الشعب، وأنا أتوقع نتيجة إيجابية رغم الانفلاتات التي حدثت أثناء المشورة الشعبية في الكرمك وغيرها. متى سيكون إعلان النتيجة النهائية للمشورة الشعبية بالولاية؟ - طبعاً لا أريد أن أتحدث باسم المفوضية، وحالياً هناك (4) مراكز تجري المشاورات فيها من قبل المفوضية بين القيام بإلغاء المشورة الشعبية أو الاستمرار في إجرائها، ولكن حتى الآن لم يصدر قرار في ذلك، ولكن الإعلان الرسمي للنتيجة لا يزيد عن فترة شهر.. ونتوقع أن يكون في أبريل القادم. إذا كانت النتيجة لغير صالح الحركة الشعبية.. ماذا تتوقعون؟ - حقيقة في النهاية هذه اتفاقية، وأننا نسمع بعضهم يقولون إننا سنلجأ لحمل السلاح، ولكننا نقول لهم من يريد حمل السلاح فليذهب إلى غابات الجنوب ليحمل السلاح في دولة أخرى، أما إذا أرادوا حمل السلاح داخل ولاية النيل الأزرق، فنقول لهم (أبو القدح يعرف يعضي أخوه وين).