مازال الغموض يكتنف ماهية المشورة الشعبية بولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان رغم انها قطعت شوطاً كبيراً فى الأولى، وفى الآونة الأخيرة كثر الحديث عن المطالبة «بالحكم الذاتى» بإعتباره حقاً موجوداً ضمنياً فى بروتوكول المشورة، الا ان بعض الخبراء اوضحوا ان العملية لا تصل إلى حد استفتاء تقرير المصير والمطالبة بالانفصال، أو الانضمام إلى جنوب السودان، مثلما هو الوضع في منطقة آبيي، بيد انها تمنح السكان حق التعبير عن رأيهم، ورفع ذلك إلى المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية، للتفاوض مع الخرطوم، وفي حال الاتفاق على رأي سيدخل قادة المنطقة في مفاوضات مع الحكومة، للتوصل إلى اتفاق يفضي إلى تعديلات جديدة، أو إبقاء الأوضاع على ما هي عليه. حيث ابدى الأمين السياسى للحركة الشعبية بولاية النيل الأزرق عبد الله إبراهيم عباس، عن رغبتهم في الحكم الذاتي بكل صلاحياته حسبما نقلت شبكة «الشروق» الفضائية السودانية « وقال إنه ينبغي إعطاء السلطات في المركز (1%) من موارد الولاية، حتى تتمكن المنطقة من الوقوف على قدميها، حسب تعبيره. وفى زيارته لولاية النيل الأزرق للوقوف على سير مرحلة أخذ الرأي إنخرط رئيس مجلس الحكم اللامركزي البروفسير الأمين دفع الله فور وصوله في اجتماعات مكثفة مع والي الولاية مالك عقار بحضور رئيس المجلس التشريعي، ورئيس مفوضية التقويم والتقدير لإتفاقية السلام، أكد عقار خلالها حرص حكومته على توفير الظروف الملائمة لتمكين المفوضية البرلمانية لاستكمال مراحل المشورة، ودعا لضرورة إتخاذ التدابير اللازمة لأخذ آراء المواطنين المقيمين بمواقعهم المختلف. وفى تصريحات صحفية تزامنت مع زيارة رئيس مجلس الحكم اللامركزي بروفسير الأمين دفع الله قال رئيس المؤتمر الوطنى بولاية النيل الأزرق عبدالرحمن أبو مدين، إن المشورة تشكل حقاً دستورياً وسياسياً لمواطني المنطقة، وأشار إلى أن المطالبة بحكم ذاتي للمنطقة من قِبل بعض المواطنين يأتي خارج سياق ما نص عليه بروتوكول منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الوارد في اتفاقية السلام الشامل. وتجدر الإشارة الى ان عدداً من مواطنى ولاية النيل الأزرق قد طالبوا بالحكم الذاتي للمنطقة، ونقلت بعض التقارير أن الحركة الشعبية بالولاية دعت المواطنين للتأكيد على المطلب (الحكم الذاتى) خلال تعبئة الاستمارات الخاصة بالمشورة الشعبية، والمطالبة بالمزيد من السلطة والثروة، وترتيبات أمنية مطمئنة. وكشف رئيس تجمع الأحزاب السياسية بولاية النيل الأزرق لمراقبة عملية المشورة الصادق كارا، ل (الصحافة) ان العملية انحرفت عن مسارها بسبب الإستقطاب الحاد بين الشريكين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى بتأثيرهما على آراء المواطنين وقال «الشريكين افرغوا المشورة من محتواها وتحولت الحكاية الى مبارة أشبه بالهلال والمريخ» وأضاف كارا ان الولاية إنقسمت الى شقين إحداهما يطالب بالحكم الفيدرالى والآخر بالذاتى، وقال «يأتى المواطن الى المركز مشحون وبعد ان يعرف عن نفسه يقول حكم فدرالى، وآخر ذاتى دون ان يعى معنى الكلمة التى يطالب بها». ومن جانبه أكد رئيس المفوضية البرلمانية بولاية النيل الأزرق سراج حمد عطا المنان ان عمليات أخذ الرأي تمضى بصورة جيدة بكل محليات الولاية دونما وجود معوقات، وكشف سراج أن المفوضية ترتب بعد إكتمال عمليات أخذ آراء المواطنين الى الإنتقال لمرحلة أخذ آراء (المختصين) والتي تعول عليها المفوضية كثيراً حسب قوله، وأوضح انها ستشمل في الحد الأدنى حملة درجة البكلاريوس للإدلاء بآرائهم في «الحزم الأربع» للمشورة الشعبية وهي «الدستورية، السياسية، الاقتصادية والإدارية» حسب ما جاء في اتفاقية السلام الشامل. وقال مقرر المفوضية سيلا موسى كنجى ل (الصحافة) ان الترتيبات الإدارية والفنية لعمليات اخذ الرأى تسير بخطى ثابتة ووصف إقبال المواطنين بالجيد موضحاً ان آخر الإحصائيات لعدد المواطنين الذين أدلوا بآرائهم بلغوا (41) الف، وان الأوضاع الأمنية مستقرة تماماً، وكشف سيلا ان الأسبوع القادم سيشهد بداية المرحلة الثالثة من المشورة وإنطلاقة عمليات اخذ الرأى للنخب، منوهاً ان الرابع من فبراير القادم يعتبر نهاية عمليات اخذ الرأى للمواطنين بالمراكز (116) بمحليات الولاية الست عدا مركزى «سمرى والسمعة» بمحلية الكرمك نسبة لتأخر العملية فيهما ليومين بسبب الأوضاع الأمنية، ومن جانبها أعلنت المفوضية البرلمانية للمشورة الشعبية بولاية النيل الأزرق رسمياً بأن غالبية آراء المواطنين في المشورة بكافة مراكز أخذ الرأي بمحليات الولاية الست تطالب بتوفير الخدمات الأساسية باعتبار أن اتفاقية السلام لم تلب طموحات الولاية في الجوانب التنموية. وكشفت مسؤول الإعلام بالمفوضية سهام هاشم، أن المؤشرات الأولية لآراء المواطنين في عملية المشورة الشعبية تتجه الى المطالبة بتحسين التنمية والخدمات الأساسية وتحسين بيئة التعليم وفتح مسارات الرعاة إضافة إلى تجويد الخدمة البيطرية (للرحل) وتشغيل الخريجين بجانب تطوير خدمات الصحة والتعليم والطرق، واتهمت سهام بعض الأحزاب السياسية بمحاولة التأثير سياسياً على المشورة الشعبية بتوجيه آراء المواطنين بالمناداة بالحكم الذاتي الأمر الذي يتنافى مع ما جاء في بروتوكول السلام للولاية وقانون المشورة الشعبية إلا أنها في الوقت ذاته أكدت بأن التعبئة السياسية الخاطئة للأحزاب لن تؤثر على مخرجات المشورة الشعبية ووصفت من يدعون للحكم الذاتى بالأصوات الشاذة ، وطالبت الأحزاب السياسية ان تكون صادقة في تعاملها مع المواطنين ومنحه الفرصة للمطالبة والتعبير عن احتياجاته كما نصت الاتفاقية. وفي ذات السياق أكد عضو المجلس التشريعي يوسف محمد سليمان المحامي، عدم وجود نص في اتفاقية السلام أو قانون المشورة الشعبية يعطى الولاية حكماً ذاتياً وفق مخرجات المشورة الشعبية واوضح ان العملية تنحصر مهمتها فى استكمال النقص الموجود في اتفاقية السلام، وقال «أن الحكم الذاتي عملياً لن يكون إلا في مناطق الأقليات المغلقة ذات الأثنية الواحدة وهذا ما لا يتوفر في ولاية النيل الأزرق». وفى سياق متصل نفى رئيس لجنة المشورة بالمؤتمر الوطني بالنيل الأزرق القيادى حسين يس، فى تصريح للمركز السودانى للخدمات الصحفية ما ورد فى وسائل الإعلام عن تأييد مواطني الولاية لفكرة الحكم الذاتي والتهديد بالعودة للحرب في حال رفض مطلب الحكم الذاتي، واكد يس ان المواطنين بمناطق «يابوس والكيكى» بمحلية الكرمك آراؤهم في المشورة الشعبية تصب فى إتجاه توسيع فكرة الحكم الاتحادي وطالبوا بمزيد من المحليات فى الروصيرص، واضاف ان غالبية الآراء في محليات «الروصيرص والدمازين والتضامن وباوا» تؤيد فكرة الحكم الفيدرالي. وقلل يس من المؤيدين للحكم الذاتي وقال ان اعدادهم لاتتجاوز العشرات، وأضاف ان فكرة الحكم الذاتي هى مجرد أحلام وفكرة غير منطقية ولها أجندة سياسية ولاعلاقة لها بقضايا وهموم الولاية التي تجاوزت باتفاقية نيفاشا محطة الحرب ووصف ما رددته بعض الأصوات بأنها فرقعات إعلامية تصب في محطة التهريج السياسي. وارجع خبير المشورة بروفسير خليل عبدالله المدنى من معهد ابحاث السلام جامعة الخرطوم المستشار الفنى للمفوضية سيادة العديد من المفاهيم الخاطئة عن المشورة، الى تأخر وضعف عملية التوعية والتثقيف المدني بالولاية، مثل «ان المشورة هي شأن يخص الشريكين فقط،وانها العصا السحرية لحل كافة مشاكل الولاية في التنمية وتقسيم السلطة والثروة والمشاكل الأمنية وإزالة الغبن والتهميش، ولكن لا أحد يدري كيف يتم ذلك»، ويعتقد البعض بأنها الفرصة الذهبية لإقامة الحكم الذاتي للولاية بدلاًمن الحكم الولائي الذي لم يمنح الولاية الصلاحيات الكاملة التي تمكنها من إدارة مواردها بالكيفية التي تراها، وأضاف خليل ان أكبر إعتقاد كان سائداً عن المشورة انها عملية موازية لإستفتاء الجنوب مما جعل البعض يعتقد انها خيار شعب الولاية بالإنضمام لجنوب السودان حال إنفصاله أو الإنفصال في دولة مستقلة، واوضح خليل ان المعهد إلتقى فى السابق بمختلف التنظيمات السياسية موضحاً انهم ابدوا ثقتهم فى المشورة بإعتبارها عملية تهم إنسان الولاية وبالتالي يجب ان تتم تحت مظلة الإنتماء للولاية وليس للإنتماءات الحزبية والسياسية الضيقة. وأضاف خليل أن عملية المشورة الشعبية تختص برأي مواطني ولاية النيل الأزرق حول إتفاقية السلام الشامل وما اذا كانت قد اوفت بطموحات وتطلعات إنسان الولاية ام لا، وقال ان أحد وأهم ماتم طرحه على المواطنين هو موقف الولاية من التنمية والإنجازات التي حققتها الإتفاقية، واشار الى ان هناك إجماع كامل ان اهم منجزاتها ايقاف الحرب وسيادة الأمن، والا ان هناك إعتقاد سائد لدى البعض ان الولاية لم تنل اي فوائد اخرى من الإتفاقية خاصة في التنمية.