في كثير من بلدان العالم نجد الشوارع الرئيسية تحمل أسماء رموز وطنية أو مبدعين، كان لهم عطاء واضح ودور في أوطانهم، ونحن كذلك، إذ أن بعض المسؤولين فعلوا وأطلقوا أسماء رموز على بعض الشوارع، ولكن هناك شوارع بلا أسماء، وأسماء بلا تكريم، أو بالأصح شخصيات كثيرة قدمت للوطن الكثير فقابلنا ما قدموا بالجحود والنكران، وكلنا يعلم أن إطلاق الأسماء على الشوارع لا يفيد أصحاب تلك الأسماء، بالأخص الذين رحلوا عنا، ولكنه يفيدنا نحن الأحياء، ويعلمنا أن الوفاء عندما يأتي من الحكومات لا يكون بعده وفاء، ويحفزنا لبذل كل ما عندنا من عطاء. نعم، معروف عنا أننا قليلو الوفاء، لا نعرف قيمة عظمائنا إلا بعد رحيلهم عن الفانية، وحتي بعد معرفتنا لهم، لا يتجاوز وفاؤنا لما قدموه، حفلات التأبين وبعض عبارات «يوم شكرك ما يجي»، والمؤسف أن بعض هؤلاء العظماء الراحلين يعتبرون رموزاً وطنية، وهم كثر، نعرف بعضهم وبعضهم لا، وآخرون في طي النسيان.. ننسي مثلاً مثل د. مكي شبيكة أول من نال الدكتوراة من السودانيين وأول عميد كلية بالجامعات السودانية «كلية الآداب- جامعة الخرطوم» وصاحب الكثير من المؤلفات التاريخية، ومكي شبيكة قد يكون سمع به البعض ، وقد يكون ضمن النكرات لدي البعض الآخر، لأننا أمة لا تحتفي بتاريخها ولا بمن صنعوا التاريخ، مما انعكس ذلك علي الأجيال المتعاقبة وبالأخص هذا الجيل الذي لا يعرف كثيرٌ منه تاريخ بلادهم، وإنما يعرفون المحترفين الأجانب، وبعض المغنيين والمغنيات ، يحفظون ما يقدمون من ساقط القول ، ويقلدونهم في ما يفعلون ويرتدون ، لذلك نتغالط في الكثير من المعلومات التاريخية وأحياناً نلجأ لدول أخرى بحثاً في المتاحف ودور الوثائق. أقول هذه المقدمة، لا للبكاء أو التباكي وإنما مقدمة لتصحيح الأوضاع.. ولأناشد بعدها الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية بإطلاق اسم د. مكي شبيكة على شارع الجامعة، تخليداً لذكرى مؤرخ سوداني قدم الكثير لوطنه وأهله وللعلم في بلاده.. قدم لتاريخ السودان الكثير ، بدءاً من كتابه «السودان في قرن 1819 - 1919» الذي يقع في أربعة أطراف، طرفه الأول يتعلق بالفتره السابقه للفتح المصري، و الطرف الثاني خاص بالعهد التركي، و الطرف الثالث خُصص لفتره المهدية والطرف الرابع كان عن العهد الثنائي حتى عام 1919، ثم جاء كتابه «السياسه البريطانية في السودان» و هو بالإنجليزيه، ثم جاء كتاب «السودان المستقل» بالإنجليزيه، ثم وضع كتابه «السودان عبر القرون» و الذي صدر عن لجنه التأليف والنشر بمصر، ثم وضع بعد ذلك كتاب «تاريخ شعوب وادي النيل مصر و السودان» وهو مؤلف ضخم يقع في «790» صفحه و قد صدر عن دار الثقافه ببيروت في مايو 1965.. وقد أصدر أيضا دراسات متفرعه هي في الواقع محاضرات ألقاها، منها محاضرة «الخرطوم بين مهدي و غردون.. و كتاب «مقاومة السودان الحديث للغزو والتسلط» الذي قام بنشره معهد البحوث و الدراسات العربيه بالقاهره ، و «مملكه الفونج الإسلاميه»، ثم «السودان و الثوره المهديه»، ثم وضع كتابه «بريطانيا و ثوره 1919 المصريه»، ثم كتاب «العرب و السياسه البريطانيه في الحرب العالميه الأولى»، وغيرها من الكتب والمحاضرات المسجلة، وأحسب أن رجلاً كهذا يستحق أكثر من إطلاق اسمه على شارع، فهلا فعلت أخي نائب الرئيس، وأنت الذي فعلت الكثير.. نأمل ذلك وعشمنا كبير..