سعدت كثيراً عندما وجدت ان برنامج زيارتي لسلطنة عمان يشتمل على زيارة لمنطقة صحار التي تصل المرء براً بإمارة دبي فى دولة الإمارات العربية المتحدة كما ان لى بالمنطقة بعض الأهل والأقارب، ولا يتجاوز الطريق الثلاثمائة من الكيلومترات. وكان تحركنا من مسقط فى حوالي الساعة الثانية صباحاً حيث كان يغمرنا عبق التاريخ وأريج آثاره الكثيرة وفى مدينة «شناص» التقيت بمن سبق ان ذكرتهم من الأقارب وفى مقدمتهم الأستاذان الزاكي وعقيلته زكية وهما معلمان يعملان فى السلطنة منذ ست سنوات، وقد حدثاني طويلاً عن حياتهما فى عمان والاستقرار الذي يسود المنطقة، وأشاروا الى ان سكان المنطقة يتسوقون فى الغالب فى إمارة دبي لأنها اقرب إليهم من حيث المسافة. وقد لفت نظري ان الطريق الذي يبلغ ذهاباً وإياباً حوالي الستمائة كيلومتر بنساب فى سلاسة ويخلو من أية إشارات ضوئية لتنظيم الحركة بفضل الوعي المروري الرفيع للإنسان العماني وكذلك تكتنف الطريق على جانبيه الخضرة اليانعة المتصلة دون انقطاع وأشجار النخيل الباسقة الملفتة للنظر أيضاً كثرة المساجد على جانبي الطريق وهى ظاهرة تجدها فى معظم طرق عمان. ولا شك ان صحار يربطها بالتاريخ حبل سرى متين، وقد سميت بهذا الاسم نسبة الى صحار بن آرم بن سام بن نوح عليه السلام، وقد ارتبطت الى حد كبير بازدهار التجارة فى موانئ الخليج فى العصور الوسطى، وكانت إحدى أسواق العرب الموسمية المرموقة فى العصر الجاهلي، ولقد تحدث المؤرخون عن موقعها وجمالها فى الكثير من المصادر التاريخية مؤكدين على ما كان لها من علو شأن فعلي سبيل المثل يقول عنها المؤرخ الاصطخري وهى على البحر وبها متاجر البحر، وهى أعمر مدينة بعمان وأكثرها مالاً، ولا تكاد تعرف على بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عماراً ومالاً من صحار. وكانت البضائع التي تصدرها صحار الى مختلف بقاع العالم القديم تتمثل فى التمر العماني والنحاس الصحاري والليمون والأقمشة واللؤلؤ والبخور والكثير من أنواع الفواكه، بينما كان التجار العمانيون فى صحار يستوردون من الصين الحرير والمسك والذهب والفضة والديباج، ومن الهند القطن والذهب والفضة وأنياب الفيل والسياج والفلفل ومختلف أنواع الأخشاب. وشرفت صحار باحتضان عدد من العلماء والإعلام الذين كان لهم دور بارز فى المجالات الدينية والسياسية والأدبية والتاريخية على امتداد الحقب التاريخية المتعاقبة، ويكفيها فخراً احتضانها للعالمين البارزين عبد، وجيفر ابنى الجلندي اللذين كان لهما الفضل فى دخول أهل عمان فى الإسلام، وكانت صحار بسبب ذلك هي أول من استقبل نور الإسلام لتحمله بدورها الى بقية الأرض العمانية ثم الى العديد من أرجاء العالم النائية مثل الصين والهند واندونيسيا وشرق أفريقيا. إذن فقد كانت صحار المدينة والمنطقة ذات الحضور القوى ليس فى التاريخ العماني فحسب وإنما فى تاريخ المنطقة والعالم القديم ولذلك ليس غريباً ان تمتد هذه الأهمية الى عالمنا المعاصر حيث تعتبر صحار اليوم من المناطق التي ولجت الى الحياة الحديثة وهى تستند الى تاريخ حافل ضارب فى القدم ولذلك تمثل صحار اليوم رقماً ثقافياً وعمرانياً وتنموياً كبير الأهمية فى سلطنة عمان والإقليم، وقد لمسنا الكثير من هذه المظاهر النهضوية ونحن نجوب أرجاء صحار ونلمس فيها هذا المزيج الرائع من التاريخ والمعاصرة.