تقول أدبيات العصر الجاهلي إن (حلف الفضول) هو أول جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان، بل وأول وثيقة عالمية عرفتها البشرية في مجال هذه الحقوق، وهو ليس بوثيقة دينية ويمكنها أن تحظى باعتراف دولي في عصرنا الحديث، حيث أنها خطوة مهمة في سعي البشرية للدفاع عن حقوقها. لم تكن وثيقة (حلف الفضول) انتقائية كما يحدث الآن في العالم الحديث من حيث المفهوم والتجسيد والتطبيق، فطالما استخدمت هذه الحقوق كسلاح ضد الخصوم أثناء توتر علاقات الدول والأفراد لتتجاهل هذه الحقوق وترمي بها جانباً الى أن تتحسن العلاقات. لقد كان عرب الجاهلية يتمتعون بكثير من المكارم والقيم والأخلاق الحميدة، لقد كانوا أهل نخوة وشهامة وشجاعة وكرم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمدح خصال الخير التي إتصفوا بها (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) الملاحظ الآن أن المدارات السياسية في الوطن العربي تشهد أفول قيادات عربية، كان ضوء بريقها يُطمس رؤية العيون، فيحيل ليل المجاهدين من العمال الى سهاد، حقوقهم وهمومهم وصلت الى السماء بالدعاء، عمال ينتظرون الفرج من الفراج، عمال لياليهم ليست كليالي العشاق الذين يحسبون الليل نجمة... نجمة، ولكنها ليالي مثقلة بالهموم يتمنون أن يصبح عليهم كل صباح يوم ببداية شهر ٍ جديد. فالتنظيمات العمالية والتحالفات المستحدثة تهدف في أغلب دول العالم الى تحقيق عدد من الأهداف المشروعة منها، وأهمها الدفاع عن حقوق العمال ورعاية مصالحهم، فقد تنامى الاهتمام الدولي بأوضاع العمال حتى فى دول الخليج العربي الذي لا يعرف تنظيمات عمالية - بإعتبار أن أنظمته السياسية ونظام الحكم فيه يختلف عن باقي الأنظمة في الوطن العربي- نجد هذه البلاد قد اتجهت الآن الى تكوين نقابات عمالية لفض النزاع بين العمال وأرباب العمل رغم القوانين الخاصة بتنظيم العمالة فيها، وذلك حفاظاًً علي حقوق العمال. والاتحاد العام لنقابات عمال السودان (وهذا اسمه السابق ) ليصير بالاسم الجديد ( الاتحاد القومي لنقابات عمال السودان) وفقاً للائحة تنظيم نشاط تنظيمات العمال لسنة 2010م ، وهو اتحاد مثير للاهتمام إذ يشكل بيئة مليئة بالتحديات لأسباب تتعلق جزئياًً بالوضع السياسي. اتحاد عام نقابات عمال السودان مثيراًً للإهتمام فبصماته نجدها في أكثر من مساحة، ومن التقارير التي تصدر عن أوضاع العمال ولجان الأجور والتي تعكس وضعاًً قائماً هي قضايا حساسة لأنها لا تمس اقتصاد البلاد فحسب، بل تمس قضايا إنسانية قانونية وسيادية بالمقام الأول. لقد قال بعض أصحاب الرأي في بلادي وتساءلوا كيف يكون لاتحاد عمال رئيس بدرجة ( بروفيسور)؟ كما ولو أن العمال لا يتعلمون، وكأننا نعيش في زمن الحضارات السابقة كاليونانية والرومانية، تلك الحضارات التي كانت تقسم المجتمع الإنساني الى طبقتين طبقة للسادة وأخرى للعبيد، وكأن العمل مفروض على العبيد والارقاء لا يتعلمون، إنما يقع عليهم العمل اليدوي والعضلي، وعلى السادة التفكير والتدبير.. فاليوم في السودان العمال هم حملة البكالاريوس والماجستير، وكثير منهم يسعون الى الدرجات العليا من التعليم, والذين انخرطوا في مجال التعليم التقني والمهني فقد أبدعوا وأنجزوا فكان عمال السودان هم صناع الطائرات، هم خطوط الأنابيب، وهم بناة السدود, هم الذين يسعون للعمل الصالح ويرهقهم ويجهدهم يتذكرون دائماً حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ( من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له) التشكيلات النقابية السابقة قد اجتهدت في معالجة مطلوبات أكثر حساسية، خاصةً فيما يتعلق بسياسة الخصخصة التي ارتضتها الدولة لتصحيح المسار الاقتصادي، ورفضها العمال كسياسة للتشريد، واعتبروها وسيلة للتضييق على الأسر الممتدة، وبالتالي على المجتمع المتشرب بالتسامح والتكافل، لقد حققت بعض النقابات شيئاً من التقدم ونشر ثقافة الخصخصة ومايترتب عليها من مردود اقتصادي على الاقتصاد الكلي للبلاد، خاصة في مجال خصخصة الاتصالات والتي استوعبت الآلاف في مجال الخدمة، وصارت رافداً من روافد الدخل لكثير من مفردات المجتمع، كم كانت تستوعب هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية- طيبة الذكر- من العاملين؟ وكم يستوعب هذا القطاع من عاملين الآن؟ ناهيك عن مواكبة التطور التقني والتكنولوجي... قد يكون التطبيق قاسياً ولكن العائد أكبر والمنفعة أزيد والرزق من الله أوفر. مسيرة اتحاد عام نقابات عمال السودان منذ قدم التاريخ كانت رأس الرمح في تحقيق مكاسب العمال، فالتاريخ يذكر لنقابات عمال السكة الحديد، ولنقابات عمال النقل النهري وغيرهم من النقابات التي زج بقاداتها في السجون، فمن هؤلاء وغيرهم كانت النقابات المتمسكة بحب الوطن والدفاع عنه وعن سياسته.. فاليوم النقابات تشكلت بوحداتها وهيئاتها النقابية الجديدة في وطن جديد وفكر جديد لتحسين شروط وظروف العمل، ورفع مستوى العمال الثقافي والاجتماعي، ودفعت القواعد بوجوه شابة طامعين أن يحدث التحول فى الفهم العام للنقابي والمطالب النقابية، فلم تعد مطالب العمال علاوات وبدلات ومكاسب مادية, إن الكيانات النقابية سترتب أمورها وتدافع عن حقوقها، لتضمن للدولة استمراريتها وتنفيذ سياساتها, يشعر فيها العامل أنه في ظل حكم راشد، يدعو الى تحديث أسلوب العمل وجعل الحوار أساساً لقاعدة الدفاع عن حقوق الطبقات العاملة، لأن الهدف الأول للحكومة في الملف الإجتماعي هو الدفاع وإيجاد الضمانات للطبقات العاملة. وإن كان (حلف الفضول) نشأ لقضية بعينها، حينما تحالف ثلاثة من سادة قريش لانتزاع حق سلب بغير وجه حق بواسطة سيد من ساداتها، وأشهروا سيوفهم في وجه (العاص بن وائل)، يقتلون سيداً من أسياد مكة من أجل رفع الظلم، إنضم الى هذا الحلف رسول الله وقال عليه الصلاة والسلام ( قد دعيت في الجاهلية الى حلف لو دعيت اليه في الإسلام لأجبت، (حلف الفضول) على القيادات العمالية أن تحقق تقدماً في الفهم العام للعمل النقابي وإحلال الفهم السابق القائم على (النضال) و(العصيان المدني) الى فهم تكافلي أن تكون النقابات هي صمام الأمان للمستضعفين من العمال تكون لهم بكل صدق هي الملجأ والمرتجأ. علينا كعمال وحفدة ثقافة (حلف الفضول) أن نحيي ذكرى هذا الحلف ونقيم له احتفالاً سنوياً تُحييه النقابات ويكون يوماً مشهوداً يسمي (يوم حلف الفضول) إحياءاً لهذه الفكرة العربية وتفتح باباًً نلج من خلاله الى عالم حقوق الإنسان، حيث نعتبر أنفسنا ورثة ثقافة عربية قديمة أقدم من ثقافة وفكرة ( الماغتاكارثا) إن حلف الفضول استراحة في التاريخ نطل بها في فترات اليأس، ولنكن أول دولة تنفض الغبار عبر نقاباتها عن تراث عربي، مما يصلح نفض التراب عنه والتباهي به. علي التكوينات النقابية أن تُحيي القيم الفاضلة التي دعت لها كل الأديان السماوية، فالإسلام لم يقتصر على الحقوق وإنما تناول الواجبات وتناول أحكامٍ وقواعد اجرائية تنظم حق العامل في الشكوى والحق في التقاضي..