تطور النظام النقابي في السودان وانتقل من مرحلة زمنية مطلبية تسعى لتحقيق مكاسب للعاملين، إلى مؤسسات تربوية تعنى بصياغة مجتمع خالٍ من التشنجات والمناقشات والجدال الدامي، فالنقابات تلعب اليوم أدواراً مهمة بمختلف تشكيلاتها المهنية، وقد صارت شريكاً اجتماعياً على صعيد الوطن، ومؤشراً اقتصادياً مهماً يساهم في بلورة التخطيط والتنفيذ في المحاور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويقع عليه تنفيذ الإستراتيجية القومية الشاملة ببنودها الثمانية . النقابات في السودان تعتبر من أرقى أشكال المجتمع المدني وأهمها، فهي وسيلة اتصال سريعة وفعالة بين الدولة والمواطنين، كما أنها وسيط بين أعضاء النقابة والمجتمع بأسره، فهي كائن حي ينتعش ويقوى ويتفاعل في ظل الحرية والديمقراطية، ويضعف ويتلاشى نتيجة لما يعتريه من أمراض داخلية تؤثر على مساره وعلى دوره فى النظام السياسي، وعلى دوره المهم في التعبير عن الرأي العام. لقد ساهمت النقابات فى تنفيذ كثير من السياسات وفق نظامها الأساسي وتراصت الصفوف فى الدفاع عن مصالح العاملين في سياسة الخصخصة التي أسيء فهمها في بعض المواقع، فلم تكن سياسة إصلاح اقتصادي، إنما كانت معول هدم اجتماعي طغى على تنفيذها فهم خاطيء.. وتعثر التنفيذ في كثير من المواقع وصار العاملون بمؤسسات ضخمة بين سندان الإبقاء ومطرقة الإقصاء كل صباح عليهم يطل ليس ككل الصباحات، تغيب عليهم الشمس ولا يغمض لهم جفن.. لياليهم ليست كسائر البشر، أقعدهم الخوف من المجهول سنين عددا، يهيمون كما يهيم الشعراء، لا بوصلة لهم ترشدهم إلى اتجاهات الرأي،لا علاوة ولا ترقية محلك سر، يغدون ويمسون ويكادوا ينظرون ويمسكون بأياديهم السؤال المهم متى القرار؟ لقد وجد النقابيون أنفسهم في عمل سياسي، معظم دوراتهم النقابية يشجبون ويدينون ويسيرون المسيرات ويحشدون الفئات دعماً لمسيرة البلاد ضد الاتهامات الخارجية والوقوف ضد القرارات التي صارت مألوفة ومحفوظة في ملف السياسات الأوربية والأمريكية ضد السودان، لقد صار القادة النقابيون في السودان وصارت النقابات مسكونة بالدفاع عن الوطن ضد قرارات أوكامبو ومن دار في فلكه، صار الهم السياسي هو الطاغي والمفروض على أجندة اجتماعات العمل النقابي مع بعض الاجتهادات في قوت العاملين وبعض البدلات ورحيق تحسين الأجور التي تذهب من حيث أتت، لم تتوقف النقابات عن التفكير في فك الحصار وكيفية مباصرة المعيشة، لم تهدأ النقابات في إفشال كل مخطط يؤدي إلى فوضى واستهتار، فصارت عيناً ساهرة فى المستشفيات وفى كتائب الإسناد المدني.. دعونا ندقق التفكير في صياغة نقابي رائد لبلد ووطن قائد. إننا في حاجة إلى تبصير وإعداد القيادات النقابية التي دفعنا بها لتكون قادرة على إدارة النقابات لخدمة قواعدها العمالية، تحس بحسسهم وتطأ جمرتهم، يكونوا (ثيرمومتر) المعاناة لقواعدهم، تسترشد ببوصلة معاناتهم، تحمل الأمانة بحقها وتمثل العاملين في التنظيمات العمالية وتجلب لهم المصالح، علينا أن لا ننظر إلى العمال كأنهم البقرة الحلوب، على القيادات النقابية أن تبصر العاملين بأهمية الدور المناط بهم في ميادين العمل، وحثهم على الإنتاج ورفع الإنتاجية والتوازن بين الحقوق والواجبات وترسيخ روح الانتماء للمنشأة. من أهم أهداف العمل النقابي التبحر في الثقافة العمالية، والتي من أهم أهدافها تأصيل وربط مفاهيم العمل النقابي وعلاقته بتراث الأمة وقيمها ومعتقداتها.. والثقافة العمالية هي أداة مهمة وفاعلة لإعداد قيادات نقابية عمالية واعية. لقد اهتمت كثيرمن الدول بالثقافة العمالية، فالدول العربية قد وقعت ميثاق الوحدة الثقافية العربية والذي وافقت عليه الدول العربية لمتابعة ما حققته المعاهدة الثقافية التي أبرمت منذ الأربعينيات بين الدول العربية، كثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تلعب دوراً مهماً في تثقيف العمال، في السودان قامت المؤسسة العامة للثقافة العمالية بإعداد دليل الثقافة العمالية في العام 2009م، يحتوي الدليل على أربعة محاور ويقع في ( 326 ) صفحة، تشمل محاوره فوائد ما بعد الخدمة، السلامة والصحة المهنية، المحور الاجتماعي ومحور تنمية المهارات، فإذا كانت المؤسسة العامة للثقافة العمالية هى مؤسسة تدريبية تعمل في مجال تدريب وتأهيل العمال قيادة وقاعدة، فإنه يقع عليها عبء كبير يحتاج إلى صبر ودعم من النقابات قبل الدولة. لكل مرحلة همومها وقضاياها ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية ولا يمكن للبشر حل جميع المشكلات التي تواجة النقابيين حتى لو وقفت الدول بكل عتادها، فمع انهيار الكتلة الاشتراكية وبروز عصر العولمة وثورة الاتصالات اتجه مناخ النمو الديمقراطي إلى الاهتمام بدراسة المجتمع المدني. يجب علينا أن نسعى لتشكيل نقابي يتخطى دوره الحدود وتقع على عاتقة مهمات جسيمة كبرى، فتثقيف العمال من القضايا التي تنال اهتماماً كبيراً من اتحادات النقابات العربية والإقليمية والعالمية، وتضعها على رأس قائمة أولوياتها من خططها وبرامجها.. علينا تطوير العملية التثقيفية للعمال بمختلف مستوياتهم وتطلعاتهم، وأن نستفيد من وسائل التثقيف العمالية المسموعة، المرئية و المقروءة منها، والاهتمام بإنشاء المعاهد الثقافية وتطويرها ومكافحة الأمية بين صفوف العمال والعناية بمواهبهم وتنميتها ورعايتها من خلال الليالي الثقافية، فان غابت الجمعيات الثقافية في المدارس لا تفوتهم في النقابات. كثير من السنن قد هجرها العمال، بل هجرها المسلمون، وقد قال أحد السلف (ما من بدعة تنتشر إلا ومعها سنة تدفن)، فكثير من مشاكل النقابيين واختلاف وجهة نظرهم رغم توحيد فكرهم، كانت بسبب السنن المهجورة التي وصى عليها الرسول الكريم، فما بالكم بسنة المصافحة التي قال عنها الرسول صالي الله عليه وسلم (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا)، الجري والطيران والخروج من اجتماع للإلتحاق باجتماع آخر أنسانا سنة (القيلولة) التي صارت معدومة فى حياة النقابيين، فالحديث عنها يحتاج إلى إلباسها لباس الاكتشافات العلمية الحديثة.إننا بحاجة أن تكون لدينا أهداف لقادة على قدر التميز والرقي، علينا أن نجعل للعمل النقابي أصلاً ثابتاً يُبنى عليه، يحتم علينا أن نضع القواد ونرسخ القوانين ونثبت دعائمها التأصيلية حتى نعطي للعمل النقابي الإيقاع المنسجم وتتأثر وتقتنع به القواعد، تكون لدينا القدرة على تخليص الحق من الباطل وإضافة الشرعية القاعدية لنتلقى منها ويتأثر بها المتلقي، إننا سوف لن نأتي بنقابات من كوكب آخر (فالبامية ياها البامية)، علينا اتباع كتابنا وسنتنا وهذا الذي يعطي للنقابة هيبتها وجاذبيتها، لنرسم صورة مفصلة وواضحة عن السنن المهجورة التي يجب الوقوف عليها ونتأملها لنعطي الأمثلة والنماذج النقابية الصادقة، وليكن حال كل نقابي خطبة حجة الوداع.. ويقول أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم في الدورة النقابية القادمة.