طالعت بعدد الأحد -20فبراير- من الغراء «الرأي العام» وفي ملفها السياسي حواراً أجراه الأستاذ مالك طه مع أمين الشباب بحزب المؤتمر الوطني الحاكم المهندس عبد المنعم السني تناول قضايا الشباب و «التغيير» ومظاهرات «الفيس بوك» والفساد، ويبدو لكل من يطالع الصورة المرافقة للحديث للمهندس السني أنه أقرب إلى منتصف العمر منه إلى ريعان الشباب - والله أعلم- ولكن ليس هذا مهماً، لو أن منهج السيد السني كان يعكس روح الشباب أو يعبر عن روحهم وقلقهم وتطلعهم المتوثب للتغيير، فكل من يقرأ حوار مالك مع المهندس السني يشعر على الفور أن الرجل مؤتمر وطني «دقة قديمة»، يبرِّر كل شيء، ويراوغ كل سؤال حرج ويحاول الإفلات من مطباته «كما الشعرة من العجين»، وبدا راضياً في المحصلة النهائية عن كل الأوضاع المحيطة به على مستوى الحزب والدولة والوطن، فلا شيء عنده يدعو إلى القلق أو الخوف من المستقبل. وحتى لا يكون حكمنا من قبيل الشبهات، أو نُتهم بالجزافية أو الشنآن المغيِّب للعدل - الذي هو أقرب للتقوى- دعونا نقتطف نماذج وأمثلة مما جاء في الحوار بين محاور «الرأي العام» والمهندس السني تسند قراءتنا لإفادات السني. كان السؤال الأول: ما هي دواعي لقاء الرئيس البشير بشباب المؤتمر الوطني؟ وكانت إجابة أمين شباب الوطني: في الحقيقة نحن الذين طلبنا اللقاء، حتى يسمع الرئيس صوت الشباب وقضاياهم، وجرى حديث صريح جداً حول ما يتصل بقضايا الشباب والقضايا العامة الوطنية، والغرض الأساسي من هذا اللقاء هو أننا نعتقد أن الشباب هم القوة الحقيقية للمؤتمر الوطني و الذين يقودون «التغيير» في جميع أنحاء العالم. من الواضح أن عبارة «التغيير» التي قطعاً لم يعنيها المهندس السني بما تنطوي عليه مفردة «التغيير» بدلالاتها ومعانيها المفهومة، هي التي أوحت للمحاور بالسؤال التالي، وهو: هل كان الطلب استشعاراً منكم بخطورة تحرك الشباب مثلما حدث في تونس ومصر؟ وكما يمكن أن يتوقع القارئ للإجابة من أي كادر أو مسؤول في المؤتمر الوطني، كانت إجابة أمين الشباب: ليس كذلك، طلب اللقاء كان مقدماً قبل شهرين- لاحظ التوقيت- أنا اعتقد أن واقع السودان لا يشبه واقع تونس ولا مصر «على الإطلاق»، وعلى الإطلاق هذه تستحق وقفة، لأنها تعني إصراراً ونيَّة مبيَّتة على النأي بواقع السودان عن أية مقارنة بين الحالتين التونسية والمصرية- هكذا بالمطلق- بينما كل من له إلمام، مهما كانت محدوديته، بعلوم السياسة والاقتصاد والاجتماع يدرك أن هناك مشتركات كثيرة بين الواقع السوداني والواقع في كل من تونس ومصر ، من حيث التركيبة السياسية التي يتحكم بها حزب واحد وصل إلى السلطة ابتداءً عن طريق الانقلاب وأقصى كل القوى السياسية الأخرى وهمش بعضها وبطش بمعارضيه، وتطاول بقاؤه في سدة الحكم لعقود متتالية تمكَّن فيها من الهيمنة على السلطة والثروة، وسخرهما لحرمان الوطن من فرص «التداول السلمي للسلطة» الذي هو جوهر الديمقراطية المعافاة التي تنتج بالضرورة وطناً معافى من أمراض الاستبداد والاحتكار والفساد. وقبل ذلك وبعده، فإن السودان ليس استثناء في المنطقة العربية أو القارة الأفريقية أو العالم الثالث، التي لا تزال قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والعدل الاجتماعي فيها كسيحة تحبو، حيث المواطن في كل هذه الدول «مسؤول لدى الدولة» بينما الدولة «ليست مسؤولة عنه»، بحكم اختلال معادلة الحقوق والواجبات، ليت المهندس السني قال إن واقع السودان لا يشبه واقع تونس أو مصر، وإن هناك بعض الاختلاف في تفاصيل هذا الواقع، وأورد الأمثلة لهذا الاختلاف. ثم سأله الأستاذ مالك عن القضايا التي أرادوا مناقشتها مع الرئيس ؟ فكان جواب المهندس السني: نحن الآن نريد مزيداً من المشاركة في مؤسسات الحزب المختلفة، نريد أن تكون القيادات التنفيذية من الشباب، والقيادات التشريعية والتخطيطية تكون لأصحاب الخبرات والتجارب، والنقطة الثانية هي أن ثورة التعليم «التي باركناها» ونتيجةً لمفهوم السواد الأعظم الخاطئ بأن التعليم من أجل التوظيف، وليس من أجل التعليم، هذا المفهوم خلق بطالة حقيقية في البلد، فأردنا أن نناقش مع الأخ الرئيس خلق «مؤسسات تمويل أصغر» حتى لا ترتبط لقمة العيش بالتعليم، لم يتردد المهندس السني- أمين الشباب في القول «بمباركة ثورة التعليم» التي يأخذ عليها كل المختصين في مجال التعليم وكل من ألقى السمع وهو شهيد أنها كانت مدخلاً لإنتاج جيوش من «أنصاف المتعلمين» وبالتالي من «المتبطلين»، لأنها فهمت «الثورة التعليمية» بالكم وليس الكيف فلا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت، ومع ذلك فهي جديرة «بمباركته» وليس بنقده أو قلقه، بل ذهب إلى القول بحل أزمة البطالة عن طريق «خلق مؤسسات تمويل أصغر» وكأنه يأتي باكتشاف جديد، بينما المشروع قائم تزحم أخباره وتقاريره وإعلاناته الرسمية صفحات الصحف كل يوم، ومع ذلك هل يعتقد المهندس السني أن هذا هو الطريق الأوفق لحل أزمة البطالة أم أن هناك خيارات أخرى أكثر وأوفر جدوى لمواجهة الأزمة، وفي مقدمتها التنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة، عبر تعليم أكثر حرصاً على تأهيل الخريجين في مجالات تحتاجها التنمية فنياً واقتصادياً، وتوزيع عادل لفرص التنمية ذاتها وخطط مدروسة بعناية لأولوياتها في مجالات الزراعة والصناعة وتسخير موارد الدولة من أجلها، عوضاً عن تبديدها في العمران التفاخري والمكاتب الوثيرة المكيفة والسيارات الفارهة وجهاز دولة متضخم يلتهم الأخضر واليابس، هذه بعض أسرار البطالة التي يراها المهندس السني من حوله، ويرى أن حلها في «مؤسسات التمويل الأصغر» التي في أفضل الأحوال لن تحل سوى مشكلة نسبة ضيئلة حد العدم من جيوش العطالى المليونية. لكن السؤال العويص الذي ألقاه مالك على المهندس السني، انطلاقاً من دعوته لأن تكون «القيادات التنفيذية» من الشباب هو: هل أنتم مدركون لخطورة مطالبة الرئيس بالتنحي من الجهاز التنفيذي لصالحكم؟ وهنا لم يجد السيد السني سوى القول: نحن لم نقل إن الرئيس عليه أن يتنحى، فلاحقة مالك بسؤال رديف انطلاقاً من جوابه: يعني أنكم لا تريدونه أن يتنحى؟ فكان رده: نحن لا نتحدث عن الرئيس وتنحيه، نحن نقول إن الذين لديهم خبرات وتجارب عليهم أن يظلوا في مواقع التشريع والتخطيط، على أن يتولى الشباب مواقع التنفيذ لأنهم قوة وطاقة.. وهذا يشمل كل الذين يقودون العمل التنفيذي. لم يقتنع مالك ولم يتركه فباغته بسؤال آخر: هل يدخل الرئيس في هذا السياق؟ فكان جوابه تكرار كلمة واحدة مرتين: بالتأكيد.. بالتأكيد.. ثم فاجأه مالك بسؤال تقريري بناه على تكرار «التأكيد»، فقال له: هذا يعني أن يتنحى؟ فعاد المهندس أمين الشباب لينفي ما «أكده» منذ قليل، فيجيب بالقول: لا نطلب من الرئيس أن يتنحى، لو طلبنا من الرئيس البشير أن ينتحى لغضب علينا الشعب السوداني كله، لأنه هو الذي انتخبه ونال ثقته في الانتخابات، ولكن من المؤكد أنه بنهاية فترة الانتخابات سيرشح شخصاً آخر للمواقع التنفيذية. ثم لحقه مالك بسؤال تقريري آخر انطلاقاً من إجابته الأخيرة قائلاً له: إذن هذه آخر فترة للرئيس على سدة الحكم؟ وكأنه نسي تأكيداته التي قال منذ لحظات ليجيب: خطتنا لا تستهدف شخص الرئيس، وفقاً لخطتنا فإن كل من يتجاوز سن الستين من المفترض أن يكون في موقع التشريع والتخطيط، ثم سأله من أن وجود الرئيس في سدة الحكم يشكل حجة للرافضين لمحاكمته باعتباره رمز السيادة، فكيف تسعون إلى تجريد البشير من هذه الرمزية؟ وهنا لجأ المهندس السني للتعميم: نحن لا نخشى الغرب ولن نسلم البشير سواء كانت لديه حصانة أم لا. نعود لما بدأنا به، وهو أن منهج السيد السني لا يعكس روح الشباب أو يعبر عن قلقهم وتطلعهم المتوثب للتغيير، وهو عندما يتحدث عن أن الشباب هم القوة الحقيقية للمؤتمر الوطني والذين يقودون «التغيير»، فهو لا يقول ولا يفصح عن هذا التغيير الذي يريده، ولا ينتبه لأن «التغيير» لا يعني تغيير الأشخاص أو الأعمار كما حددها «بسن المعاش» التي هي سن الستين، فكم من شاب في مقتبل العمر ويحمل أفكاراً تعود إلى القرون الوسطى، وكم من مُعمِّر وطاعن في السن يحتفظ بعقل شاب وحكمة تجعله أكثر قبولاً ومواكبة للتطورات والرؤى والأفكار الجديدة والاستعداد لرؤية التغيير الحقيقي.. فالعبرة ليست بشباب الخلايا والعضلات، ولكن بشباب الأفكار والتفتح والاستنارة.