قد تحيط باكتشاف الجثة ظروف تدعو إلى التساؤل عما إذا كانت الوفاة بفعل فاعل غير المجني عليه، أم أن المجني عليه قد انتحر.. مثال ذلك أن يوجد المتوفى معلقاً بطريقة تدعو إلى أن يكون قد علقه شخص مخفي في صورة انتحار، أو يوجد المتوفي في النهر، فيتبادر السؤال هل غرق أم أغرق أم قتل ورمي في النهر، وقد توجد الجثة في غرفة مغلقة من الداخل، أو قد تكون الجروح مما يحتمل أن يكون قد ألحقها المجني عليه بنفسه.. هذه الصور المختلفة التي قد تدعو إلى التشكك فيما إذا كانت الوفاة ناتجة عن قتل أم انتحار، تدعو إلى حسن التعاون والتفهم بين الطبيب والمتحري ليبرر كل متهم الجوانب التي تساعد في الوصول إلى حقيقة الأمر.. فالطبيب يساعد على ما يتعلق بالجروح وكيفية وقوعها. وهل يمكن أن تحدث من الغير على حسب الوضع الذي وجدت فيه، وهل أحدثت قبل الوفاة أم بعدها، وهل قتل المجني عليه أم القي في النهر؟ وكلما يمكن تقديمه من عون من الطبيب الشرعي.هذه التحاليل والنظريات التي يفضي بها الطبيب مجتمعة مع المعلومات التي يحصل عليها المتحري تساعد في الوصول إلى الحقيقة. والمعلومات التي تساعد المتحري في التوصل إلى تلك الحقيقة قد يجدها عند فحصه لمحل الحادث أو مكان تواجد الجثة، فقد يجد مذكرة بخط المجني عليه يوضح فيها اختياره للانتحار لأسباب قد يفضي بها أو يحجم عن ذكرها. وهذه هي الأخرى يجب على المتحري أن يتأكد من أنها حقيقة وواقعة، وأن المجني عليه تأثر بها، وكانت دافعاً لانتحاره وأنه هو الذي كتبها، هذا ولطريقة ارتكاب الفعل نفسه أثر جوهري لتحديد ما إذا كان الحادث قتلاً أو انتحاراً، فالأسلحة النارية إذا ما استعملت في الانتحار تحدث جروحاً خاصة، ذلك لأنها تطلق غالباً من مسافة قريبة تختلف باختلاف حجم السلاح المستعمل، ولا تزيد في أقصاها عن عشرين بوصة.. وغالباً ما يلصق المنتحر الماسورة على جسمه، وبذلك تتخلف آثار معينة من العيار الناري.. والغالب أن تكون الطلقة التي أطلقها المنتحر واحدة ليصيب جزءاً قاتلاً في جسمه، كالرأس أو الصدر أو البطن، وإذا ما وجدت آثار أكثر من جرح على جزء حساس من الجسم كالرأس أو البطن أو الصدر أو عليه جميعاً، يتبادر إلى الذهن أن الحادث قتلاً.. وقد يحدث الانتحار بالشنق الذاتي بالحبل أو بأي شيء مشابه، وليس من المهم أن يكون جسم المنتحر معلقاً غير مرتكز على الأرض.ولذلك على المتحري في الحالات التي يظن فيها أن الشخص قد قتل، أن يجمع من البينات ما يدعم ذلك، كأن يبحث عن آثار أقدام شخص آخر، أو طريقة رفع المجني عليه وشنقه، وآثار العنف الموجودة على جسمه، وإذا دلت الآثار على أن الوفاة بسبب الخنق، فالغالب أن يكون الحادث قتلاً، ذلك لأنه ليس بوسع الإنسان أن يخنق نفسه بيديه أو بواسطة أي شيء آخر حتى الموت، وذلك لأن قوى اليدين تنهار تدريجياً فلا يستطيع المضي في الخنق حتى النهاية.أما الانتحار الناتج عن الجروح بالآلات الحادة، فخير من يقرر عنه هو الطبيب ليوضح الاتجاه الذي ضربت منه وإمكانية إحداثها بواسطة المتوفى أو شخص آخر. وأكثر الحوادث التي يشتبه في أمرها ويثور عنها السؤال أهي انتحار أم قتل؟ هي حالات العثور على الجثة في الأنهار والترع، ذلك لأنه حتى آثار بعض الجروح التي توجد على الجثة، قد يكون أحدثها ارتطام الجسم بأشياء مختلفة في الماء. ويستعان في هذه الأحوال بالطيب الذي يقرر ما إذا كانت الوفاة سابقة على الالقاء في الماء أم أن المتوفى مات غرقاً. ويساعد كثيراً في تحديد العرق وجود الملابس وما يعلق بين الغريق كذلك والظروف والملابسات المحيطة بالحادث. وقد يكون الانتحار بتناول السم، لكن القتل به أمر نادر الوقوع، وفي هذه الأحوال يجب على المتحري أن يجمع بقايا المأكولات والمشروبات ليتمكن الطبيب من فحصها ومقارنتها بما يوجد على جسم المجني عليه، هذا ما يمكن أن يجده المتحري في محل الحادث، وهناك ظروف أخرى يجب على المتحري أن يأخذها في الاعتبار، من ذلك التهديدات السابقة من المجني عليه من أنه سوف ينتحر إن لم يحقق له أمر معين. تجدر الإشارة إلى أنه في معظم الأحوال لا يصعب تحديد ما إذا كانت الوفاة المشتبه فيها هي في الواقع جريمة قتل أم نتيجة انتحار أو حادث مفاجئ.. وعلى الضابط المتحري وهو يحاول الوصول إلى النتيجة الموجودة،. أن يكون ملماً بكل جوانب معاينة حالات قتل النفس، على اعتبار أن التحليل المبدئي للحالة وتقييم الموقف، يستلزم معرفة لا تقل عما هو مطلوب لمعاينة مسرح الجريمة بعد ذلك. ومن ناحية أخرى لتقدير ما إذا كانت الوفاة نتيجة حادث أم انتحار فإنه يجب الأخذ بأسوأ الأمور، واعتبار الواقعة قتل حتى ولو كانت الظروف توصي بأنه انتحار أو موت في حادث مفاجئ، إذ الأمر يستلزم فحص الظروف تفصيلاً، والبعد عن السطحية للوقوف على نية القتل من عدمه، ولعل التساؤلات الآتية ما تساعد رجل الشرطة المحقق على معرفة الحقيقة. 1/ ما سبب الوفاة؟. 2/ هل الاصابات والآثار المتولدة عن الحادث تتفق مع إمكانية إحداثها بمعرفة المجني عليه؟ 3/ هل ثمة علامات تشير إلى حدوث مقاومة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تساعد رجل الشرطة على تشييد بناء هيكلي للحادث. وعلى ضابط الشرطة المحقق أن يتذكر دائماً ثمة قاعدة متعارف عليها، هي أن القاتل بعد إرتكاب جريمته يعتريه إدراك مفاجئ لخطورة النتائج التي تترتب على جريمته، وهكذا يفقد اتزانه تماماً ويحاول طمس معالم جريمته، إلا أنه مع اضطراب ذهنه يأتي ببعض الأفعال التي تعتبر ضد مصلحته، ومن ثم تتخلف عنها آثار تدل عليه. قد يستدعي التحري وظروف القضية في بعض الأحيان أن توضع أسئلة ليجيب عليها الطبيب في تقريره، إلى جانب السؤال التقليدي الرئيسي عن سبب الوفاة والآلة المستعملة في الأذى. من تلك الأسئلة: هل هناك آثار عنف غير الجروح التي نتجت عنها الوفاة؟. يرجى وضعها وبيان الآلة التي يمكن أن تكون أحدثتها، وكم من الزمن مضى على حدوثها؟. هل حدثت هذه الجروح قبل الوفاة أم بعد حدوثها؟. هل كان المجني عليه مصاباً بأي مرض. هل كان هذا المرض عاملاً في سبب الوفاة؟. هل وجدت أي مادة غريبة على الجسم في داخله أو على الجرح؟. ماهو أثر تلك الجروح على المتهم عند وقوعها عليه؟. أكان من المحتمل أن يمشي أو يتحرك. هل الآثار الموجودة على ملابسه آثار دماء؟. وهل هي نفس فصيلة دماء المجني عليه؟. أم تختلف عنها؟. كم مضى من الزمن بين الحاق الأذى بالمجني عليه ووفاته؟ ما هو أتجاه الجروح على المجني عليه؟ وهل في الإمكان تحديد موقع الجاني من المجني عليه بناء على تحديد اتجاه هذه الجروح؟. هل من المحتمل أن يوقع شخص هذه الجروح على نفسه؟. في أي اتجاه دخل العيار الناري جسم المجني عليه؟. ومن أي أتجاه خرج؟ وهل تغير مجراه داخل جسمه؟ وما السبب؟. ما المسافة التي أطلق منها العيار الناري؟. هل وجد حبل أو أي شيء آخر حول عنق المجني عليه؟. هل نتجت الآثار الموجودة حول العنق من ذلك الحبل؟.. أم من شيء آخر؟. هل حدثت تلك الآثار قبل الوفاة أم بعدها؟ إذا كان سبب الوفاة السم ما هو السم الذي وجد في جسم المجني عليه.هذا عن أعمال الطبيب وما يمكن أن يدلي به في تقرير حول المسائل التي يطلبها منه المتحري، إلا أنه على المتحري أن يضمن وصفة للجثة تلك الآثار والجروح وتواجد آثار الآلة المستعملة على الجزء المحاذي لها من الملابس، كقطع القميص بالسكين عند إحداث الطعن، وعليه أيضاً أن يحتفظ بملابس المجني عليه كمعروضات في القضية، وأن يأخذ له صورة واضحة ويأخذ بصماته، وقبل أن يطلب تسليم الجثة ذويها أو دفنها، عليه أن يتأكد من الطبيب أنه لا يحتاج إلى مزيد من الكشف أو الفحص الطبي.