معظم الدول (إن لم يكن كلها) شرعت بالفعل في إجلاء رعاياها من الجماهيرية الليبية، وفيها من أكمل عملية الإجلاء منذ الاسبوع الأول للأحداث، وقامت فرنسا ولم تقعد لتباطؤ سفير خارجيتها في عملية الإجلاء، وهناك من الدول من استقبلت رعاياها على الحدود الليبية وأقامت لهم المستشفيات الميدانية مثل مصر، وهنا وما أدراك ما هنا، ما زلنا نتحدث عن انتظار الأذونات للطائرات السودانية للهبوط في مطار بنغازي، وهناك قرابة نصف مليون سوداني بمدن الجماهيرية المختلفة. تتحدث غرفة عمليات وطوارئ إجلاء السودانيين من ليبيا عن صعوبات تعوقها، تتمثل في الظرف الداخلي لليبيا (كما قالوا)، والسؤال: كيف تمكنت الدول التي أجلت معظم رعاياها من التغلب على هذا الظرف، وهو ظرف واجه الجميع؟! لا نود أن نتهم أحداً بالتقصير، ولكنا نقول إننا شاهدنا وتابعنا عمليات إجلاء الدول لرعاياها دون أن تعقد مؤتمرات صحافية أو تشكل لجاناً (تنبثق منها لجان)، وشاهدنا بعضها يلقي باللائمة على مسؤولين لأنهم لم يقوموا بإجلاء كل الرعايا، وهذا ما كنا نريده من الجهات المسؤولة عندنا، بدلاً عن الحديث عن صعوبات وإنتظار لأخذ الأذونات، ثم الحديث عن وصول الفوج الأول المكون من (80) شخصاً فقط (اليوم) أو غداً (الله أعلم). ما كنا نريد من غرفة عمليات وطوارئ إجلاء السودانيين من الجماهيرية الليبية أن تطمئننا عن حال السودانيين هناك، فالطمأنينة في مثل هذه الأحوال لا تدخل إلى النفوس إلا عبر الإستماع إلى خبر إكتمال الإجلاء، أو على الأقل إكتمال الترتيبات، وما دون ذلك فهو مجرد (طيبة سودانيين) وتطييب خواطر. أما الحديث عن حفظ حقوق السودانيين في ليبيا بعد استقرار الأوضاع بعد حصر المستندات عند وصولهم للسودان، فهو حديث سابق لأوانه، وإن كان حديثاً طيباً، فالمهم في هذا التوقيت هو أن يصل السودانيون إلى الوطن سالمين، وبعدها (ليها الف حلال)، فالمهم الآن سلامة السودانيين ووصولهم في أسرع وقت، وبهذا وحده يكون الإطمئنان لأسرهم التي جفا المنام عيونها مما شاهدته من أحداث دامية، ومما سمعته من وعيد ل (مدمر) القذافي وابنه (سيف الهدام)، وهما يتوعدان بجعل ليبيا (جمرة) وأنهار من دماء بدلاً عن أنهار النفط، وهكذا وعيد عندما يأتي ممن هو مصاب بداء العظمة، يجب أن يحمل محمل الجد. هذا غير ما سمعناه من القبض على أجانب أو ما يسمونهم (المرتزقة) وهو إتهام قد يطال الكثيرين من السودانيين، إن لم يكن قد طالهم بالفعل، وقد سمعنا أن الكثير من الأجانب يخشون الخروج من بيوتهم ومن بينهم السودانيون خوفاً من هذه الإتهامات. لكل هذه الأسباب نأمل من الجهات المسؤولة السرعة في عمليات الإجلاء وأن تكثف من جهودها حتى وصول آخر سوداني لأرض الوطن.