نقول كفارة لوزارة الصحة الاتحادية أنها لم تذق طعم الصحة في السنين الأخيرة، وخاصة في الفترة التي تولى فيها الدكتور كمال عبد القادر- لسوء حظه- منصب الوكيل فما أن تخرج الوزارة من مرض إلا ودخلت في مرض آخر، ونقول دخلت بدلاً عن كلمة (أصابها)، لأن الوزارة تقحم نفسها في المرض، فعندما شفيت من مرض المحاليل الوريدية لشركة كور الهندية والتي كانت غير صالحة للاستعمال الآدمي، دخلت في بيع المصل الواقي من مرض السحائي بمبلغ أربعين جنيهاً (اليوم) وأربعين ألف جنيه بالأمس، وهي تعرف أن المستهدفين بالمصل الواقي من السحائي هم الفقراء والمساكين، الذين يعملون تحت وهج الشمس، وأن هذا المبلغ كبير بالنسبة لهم، وربما امتص دخل (اليوم)، وهناك من هم في انتظار ذلك العامل، أما الذين يستطيعون دفع مبلغ الأربعين جنيهاً فهم بعيدون من الإصابة بالسحائي بحكم التكييف في المكتب وفي المنزل وفي السيارة، وبالغذاء الجيد والماء البارد، وفي زمان مضى كانت وزارة الصحة تضرب الخيام في أماكن التجمعات والازدحام في الأسواق وفي مواقف المواصلات، ليكون التطعيم قريباً من المواطن وبالمجان، وعندما خرجت الوزارة من هذا المرض أصابها مرض سحب الأدوية السويسرية الصنع- والتي يستعملها مرضى الكلى- من السوق، وجاءت ببديل له من الهند، قال عنه المرضى أن الدواء الهندي يقتل الكلية المزروعة من الجسد، بينما الدواء السويسري يعمل على تثبيت الكلية في الجسد، فأي دواء إذن أحق بأن توفره وزارة الصحة الاتحادية لمرضى الكلى؟ السويسري أم الهندي؟ فحدث الصراع والنزاع بين المرضى والوزارة وتعاطف الرأي العام مع المرضى مطالباً بالإبقاء على الدواء السويسري، فالمرض قد يصيب أي مواطن وفي أي وقت ولما انتهت قصة الدواء السويسري والدواء الهندي برزت قضية الدواء (سيدوفان) المستعمل في علاج الأطفال، فقالت وزارة الصحة أن هذا الدواء غير فاعل، ولابد من منعه من دخول السودان، فكان الجدل بين الاختصاصيين والوزارة عن مفعول هذا الدواء، والصيادلة في مقدمة من دافعوا عن فعالية هذا الدواء، وانه مستعمل في السودان منذ فترة ليست بالقصيرة، وبتصريح من وزارة الصحة فما الجديد إذن؟ الجديد هو الخلاف بين الوزارة والوكيل الحصري لهذا الدواء، وهو صاحب صيدلية كمبال الجديدة الواقعة في شارع الجمهورية، والذي لجأ الى القضاء برفع دعوى على وزارة الصحة، فشغلت القضية الناس وأجهزة الإعلام.. وأخيراً قال القضاء كلمته لصالح الوكيل الحصري، وتلك هزيمة مرة لوزارة الصحة الاتحادية ونلحظ في هذه الأمثلة وجود فساد، فلابد أن يكون هناك مستفيد من بيع المحاليل الوريدية التالفة وتدعمه وزارة الصحة، وإلا لما سمحت لهذه المحاليل بدخول البلاد، ولو دخلت لمنعتها الوزارة من الدخول الى المستشفيات، وبذات المعنى لابد من مستورد مستفيد للدواء الهندي لعلاج مرضى الكلى فدعمته الوزارة بسحب الدواء السويسري من السوق، وكذا الحال في الخلاف بين الوزارة والوكيل الحصري لدواء السيدوفان، ومنها نسأل وزارة الصحة لماذا تقف مع المفسدين؟ وفي ذات الوقت تقول إنها حريصة على صحة المرضى، وعلى صحة المواطن السوداني والأمثلة تدل على غيرذلك.. ثم جاءت كارثة اضراب الأطباء ورأينا كيف تعاملت معهم الوزارة بغير احترام وبغير وقار، ووقفت سداً منيعاً في الاستجابة لمطالبهم المشروعة من تحسين بيئة العمل، وتحسين خدمات الميزات، وحقهم في العلاج المجاني لهم ولأسرهم في المستشفيات التي يعملون بها والتابعة لوزارة الصحة، وتحسين شروط الخدمة، وصرف العلاوات والبدلات المستحقة في مواعيدها، وبدلاً عن الاستجابة لها والدفاع عنها لدى الدوائرالمختصة سمحت وزارة الصحة لقوات الأمن بضرب الأطباء واعتقال البعض منهم ومطاردتهم، وقبل أيام سمعنا أن أربعة آلاف طبيب اختصاصي، ونائب اختصاصي، وطبيب عمومي، وطبيب امتياز، ينوون تقديم استقالات جماعية، لأن الوزارة لم توف بما تم الاتفاق عليه، ولم تحترم حتى الحلول التي قدمتها لجنة الوساطة من شخصيات مرموقة في المجتمع، وهذا التهديد بتقديم الاستقالات لهذا العدد الكبير من الأطباء جعل السيد نقيب الأطباءأخيراً- يتدخل وبعد طول غياب ويتحدث عن التحديث وتوطين الأطباء بمنحهم قطع أراضي وترحيلهم بتمليك السيارات، فالمعروف أنه لا بديل للطبيب إلا الطبيب فهو مثل السكة الحديد لابديل لها إلا السكة الحديد، وكنا قد ظننا أن الوزارة قد عوفيت حتى ظهر مرض اتفاقيتها مع الشركة السعودية أبيكس لزراعة الأعضاء ونقلها، وأعطت الوزارة هذه الشركة القيام بهذه المهمة وحصرياً لمدة عشرين عاماً يا للهول!! هل ظن السيد وكيل الوزارة أنه باقٍ في منصبه لهذه الفترة الطويلة؟ أم أراد توريط من يأتون بعده، وما ذنب مرضى السودان وأمواتهم، وخيراً فعل السيد الأستاذ علي عثمان محمد طه بالتدخل وتجميد الاتفاقية وإعادة النظر فيها، ونأمل أيضاً أن يعاد النظر في الوكيل الشاغل المنصب حالياً ما دام بعد كل هذه الأمراض غير مستعد لتقديم استقالته حتى عندما عدل السيد وزير الدولة قراره بنقل الدكتور صلاح عبد الرازق من إدارة الطب الوقائي وإبقائه في المنصب بعد ساعات من صدور قرار الوكيل الذي دافع به عن فساد في مستشفى تعليمي كبير يتبع لوزارة الصحة الاتحادية، لأن السيد مساعد المدير العام للمستشفى المعني له صلة بالسيد الوكيل وارتكب ذلك المساعد للمدير العام من الفساد ما ظهر منه وما بطن. آخر لحظة الصادرة في الثاني عشر من فبراير في عمود (بعد ومسافة)، وأقول للأخ الكريم أبوالعزائم رئيس تحرير صحيفة آخر لحظة الغراء، إن كان هذا هو حال رب البيت فشيمة أهله الرقص، وعليه أرى أن يوفد بعض مساعديه من محرري الصحيفة الى ذات المستشفى لاجراء تحقيقات مع الضعفاء فيها من ممرضات وعاملات ومحضرات عمليات وباشممرضي المستشفى، وحينها قد تكتشف روائح الفساد والظلم الذي يلحق بالضعاف فيها، وليسأل ما سبب المديونية الكبيرة على المستشفى وكيف سيتم سدادها.. اختلف مع الأخ بكري مصطفى البدري الذي كتب في هذه الصحيفة الغراء آخر لحظة تحت عنوان (الى من يهمه الأمر سلام) في العدد الصادر في السابع عشر من فبراير 2011 في جزئية قال فيها (فبعد أن قضى السيد الوكيل جل عمره في بلاد العم سام التي لاتعرف الدين ولا تعرف الحياء، وأقول له إن السيد وكيل وزارة الصحة -إن صح أن قضى جل عمره في بلاد العم سام للاستزادة من العلم والاستفادة من تجارب الآخرين- فهناك حياء وهناك احترام للإنسان وتقدير له ولا فساد بمثل ما أوردنا في هذا المقال، ولو ظهرت مفسدة واحدة لاستقال هناك الوكيل والوزير، ولاهتزت أركان الوزارة المعنية.وقد عايشت هذا الأمر عندما كنت مستشاراً في السفارة السودانية في لندن ومسؤولاً عن المرضى السودانيين الذين يفدون اليها بغرض العلاج، وأقطع وعداً أن أكتب في هذه الصحيفة- (آخر لحظة)- عن تلك التجارب، ففي تلك البلاد كما قال الراحل سيد قطب- طيب الله ثراه- مسلمين بغير اسلام، وفي الشرق الأوسط اسلام بغير مسلمين، فالإسلام لا يحمي الفساد، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.. لا أرى سبباً لمعاناة الأطباء وهم الأكثر وجوداً في الجهاز التنفيذي وفي الحزب الحاكم، فوكيل الوزارة طبيب، ووزير الدولة طبيب، ووزيرها طبيب، ووزير التعاون الدولي طبيب، وطبيبان مستشاران لرئيس الجمهورية، وأصحاب نفوذ، ورئيس الدائرة السياسية في المؤتمرالوطني طبيب، والمسؤول عن شؤون الأطباء في المؤتمر الوطني طبيب، كان الله في عونهم ومرة ثانية كفارة لوزارة الصحة الاتحادية.