التلفزيون القومي ذلك اللغز المحير الذي لم نجد له الحلول حتى الآن لمعالجة أوضاعه ومشاكله رغم أنه تلفزيون الدولة الرسمي، ويعاني ويعاني.. (فصورته) مهزوزة ومعظم برامجه مكررة وباهتة للحد البعيد، والابتكار والخلق البرامجي فيه ضعيف ويكاد يكون شبه معدوم، والأخبار فيه فحدث ولا حرج (التقى- صرح- أوضح).. الخ، قمة في الرتابة والتقليدية، ويتضح الفارق الكبير عندما نستمع ونشاهد نشرات الأخبار في القنوات الخارجية، بل حتى في قناة الشروق، فالفرق بينها وبين التلفزيون القومي شاسع للحد البعيد، ومستوى المذيعات فيه فالحال يغني عن السؤال ضعف وركاكة شديدة، فمن هذا العبقري الذي يجري المعاينات لهؤلاء من أشباه المذيعين؟ والكثير من المرارات داخل هذا الحوش.. ولكن مع كل ذلك ظللنا ندعم الرجل المهذب محمد حاتم سليمان ونسانده طوال الفترات السابقة، فالرجل هو الأصلح لهذا المنصب وله طموحات وأحلام يستعد لإنزالها إلى أرض الواقع مثل مدينة الإنتاج الإعلامي وإطلاق عدد من الفضائيات التابعة للتلفزيون وغيرها وغيرها من الأفكار الكبيرة والمتطورة والتي تعد بمستقبل واعد وكبير في مسيرة الإعلام السوداني، حتى تم تسميته بمحمد (حالم) بعد طرحه لهذه الأفكار، ووقفنا ضد من يطلقون هذا اللقب باعتقاد منهم بأنهم يسخرون من الرجل بإطلاق لقب محمد (حالم) وهم يجهلون أن هذا اللقب يحسب له وليس عليه، فماذا نريد أكثر من رجل طموح وصاحب أفق وتفكير متقدم وحالم ليدير مثل هذا الجهاز بعيداً عن التقليد، ويسعى لإحداث نقلة في مسيرة الإعلام، وحقيقة محمد حاتم يستحق الإشادة والتقدير لإطلاقه مثل هذه المبادرة حتى وإن لم يكملها لأي سبب من الأسباب. كل ذلك وأكثر جعلنا نقف وندعم الأستاذ المهذب محمد حاتم سليمان ومازلنا حتى نصحح الأخطاء المتراكمة في هذا الجهاز أكثر من ديونه المتلتلة.. ولكن ماذا يحدث داخل (حوش) التلفزيون؟.. هذا هو السؤال المحير..!!.. فكل ما يقوله محمد حاتم ويصرح به من تطوير في البرامج وحل مشاكل العاملين والإيفاء بحقوقهم، وسعيه لحل ديون التلفزيون المتلتلة التي وجدها بعد تقلده لهذه المنصب، بجانب حديثه عن عدم وجود أي خلافات داخل هذا الجهاز، كل ذلك وأكثر، ولكن على أرض الواقع نجد العكس تماماً!!.. فهل محمد حاتم يكذب ليتجمل ويدعى أشياء وبطولات غير موجودة على أرض الواقع وهي من نسيج خياله؟.. أم أن هناك فئة داخل الحوش من اعلام (حارس البوابة) القديم والبالي تستهدفه وتتربص ولا تنفذ خططه وأطروحاته وتعكسها بصورة مغايرة للعاملين بالتلفزيون، بل حتى للقيادات السياسية العليا حتى تتم الإطاحة به بكيل الدسائس والوساوس لتشويه صورته أمام القيادات التي تثق به وبإمكاناته رغم الهجوم الشرس والعنيف الذي يواجهه هذا الرجل، ويثقون بأنه رجل هذه المرحلة رغم التشكيك الكبير من الكثيرين في ذلك.. ولكن الحقيقة الماثلة أمامنا بعيداً عن كل هذه الخلافات تؤكد عدم إنزال مقترحات وأفكار محمد حاتم هذا (الحالم) الجميل على أرض الواقع، فكل من يقترب قليلاً من (حوش) التلفزيون يتضح له أن منهج العمل الإداري فيه يفتقد للمؤسسية.. وأصابع التجديد والتطوير فيه (قُلمَّت) أظافرها.. ومازلنا ندور في مرحلة الإعلام التقليدي وكأن الزمن توقف بنا فيها ولم ندر مع بقية دول العالم حتى نستفيد من التطور الكبير الذي طرأ على مجال العمل الإعلامي، ونستفيد من الخبرات والكفاءات لنقدم الحلول الناجعة!!.. أم أن نظرية (حارس البوابة) العقيمة والتي خصمت من إعلامنا الكثير والكثير (آه.. ثم.. آه.. ثم.. آه)، ما زالت تسيطر على واقع العمل داخل هذا الجهاز الكبير، بمعنى أن الاعتماد الأساسي يكون على أصحاب الولاء الحزبي بغض النظر عن الكفاءة..؟.. وإذا كان كذلك ألم تنتبه الإنقاذ إلى هذا الخلل الكبير إلى الآن حتى لا تدفع ثمناً أكثر من ذلك.. ولكن ابتعدنا عن الحديث عن كل ذلك وتطرقنا للحديث المهم ألا وهو واقع التلفزيون القومي على أرض الواقع وكيف يدار، خاصة فيما يتعلق بميزانيته، فبالرغم من ضخامتها الآن فإن مخرجاتها على أرض الواقع ضعيفة جداً، وتحدثنا مراراً وتكراراً عن ضعف البرامج حتى تتم مداركة هذه الأخطاء بوضع رؤى ودراسات علمية عميقة ليخرج من هذه الرتابة والتحنيط والأداء التقليدي الباهت والملل الذي سحب البساط من تحت أقدامه واتجه المشاهدون إلى القنوات الوليدة الأخرى. ü وأصبحت مشكلة التلفزيون الحقيقية تتمثل في الأخطاء الإدارية المتكررة التي تشعل النيران بداخله وتخرج المحصلة النهائية في توجيه سهام النقد بصورة ملتهبة إلى سياسة محمد حاتم، وكان آخرها مشكلة المتعاونين فيه الذين أثاروا النيران طوال الفترة السابقة لعدم استلام حقوقهم ومستحقاتهم المالية، وشكوا لطوب الأرض من ذلك حتى تم إعطاؤها لهم، ولكن مع خطابات إيقاف لعدد كبير منهم بلغ (274) متعاوناً دفعة واحدة، مع الإبقاء على (161) منهم بحجة أن الإدارة تدارست هذا الأمر لفترة طويلة ومتأنية في إطار الخارطة البرامجية الجديدة بعد إنقاص ميزانية التلفزيون من قبل الدولة بنسبة 30%، لذلك تم إيقاف التعامل بنظام الإنتاج أو القطعة التي كانت تستوعب في إطارها (435) متعاوناً، وقررت الإدارة العمل بنظام الدفع الفوري مما ترتب عليه الاستغناء عن (274) متعاوناً والإبقاء على (161) منهم حتى يتم الإيفاء بحقوقهم كاملة وفقاً لما هو متاح من موارد وإمكانات التلفزيون!! فإذا صدقنا كل ذلك رغم حجة التلفزيون المقنعة لدرجة ما، ولكنها فتحت الباب لعدد من التساؤلات المهمة وهي.. ماذا كان يفعل كل هؤلاء المتعاونين داخل التلفزيون بهذه الأعداد الكبيرة؟.. وهل كانوا خصماً عليه ولم يضعوا فيه أي بصمة أو أثر واضح طوال فترة عملهم فيه؟.. وإذا كان كذلك فلماذا صبر عليهم التلفزيون تلك الفترة الطويلة وتصرف عليهم أموال في غير موضعها؟.. والأهم من كل ذلك هل كان التلفزيون في الأساس بحاجة لكل هذا العدد المهول من المتعاونين؟.. ورغم وجودهم فيه يتم تدارك كل هذه الفترة الطويلة شعرنا بضعف البرامج المنتجة،فماذا سيفعل التلفزيون بعد فقدهم؟ وعلى أي أسس موضوعية تم الإبقاء على (161) منهم.. فهل هم الأميز (أفضل السيئين)؟.. أم أن العلاقات الخاصة لعبت دوراً كبيراً في ذلك؟ نؤكد مرة أخرى أننا نقف ونساند الأستاذ محمد حاتم سليمان ونشير إلى أن هذا القرار الذي اتخذه صائباً لدرجة بعيدة ولكنه لم يستطع تنفيذه بصورة سليمة.. فنعم أجور المتعاونين تقصم ظهر ميزانية التلفزيون.. ولكن كان بالإمكان أن تتم دراسة أعمالهم ومنتوجهم بصورة متأنية للحد البعيد وإيقاف الضعفاء منهم بصورة تدريجية لا تخصم من عمل التلفزيون، ولكن ليس بهذه الطريقة والمجزرة التي خلقت أزمة حقيقية، فما أسوأ قطع أرزاق الناس.. أستاذي محمد حاتم ومتى تنتبه لآليات تنفيذ أفكارك وتختار لها التوقيت المناسب.. والله من وراء القصد