ما يحدث حولنا من تغييرات في أنظمة الحكم ومحاولات للتغيير، نرى أنه أمر طبيعي نتيجة لكبت الحريات والسباحة عكس تيار عقائد وقيم وأخلاق المجتمعات مع ظهور بؤر للفساد غير المشكوك فيه، وتجربة الانفجارات الشعبية ليست ببعيدة عن أحد حتى لا يقول مثلما قال الرئيس المصرى السابق حسني مبارك (إن مصر ليست تونس) ومثلما قال العقيد معمر القذافي (إن ليبيا ليست مصر وليست تونس) ومثلما يقول الرؤساء والزعماء من الخليج إلى المحيط. ظهرت أصوات - هنا وهناك - تنسب هذه التحركات والانفجارات الشعبية إلى المخططات الغربية الرامية إلى تجزئة العالم وتقاسم مناطق النفوذ فيه بما تم الاصطلاح على تسميته ب (الفوضى الخلاقة) أي الفوضى التي تعيد ترتيب الأوضاع بما يخدم مصالح الغرب. وهذه - قطعاً - فرضية يمكن أن تكون صحيحة إذا ما نجح الغربيون في صناعة قادة محليين داخل أقطارهم لقيادة الشعوب لتحقيق أهداف الغرب.. لكن الشعوب ما عادت عمياء ولا صماء ولا بكماء.. الشعوب تعلَّمت وارتفعت نسبة الوعي لديها إلى درجة عالية، وتداخل العالم وأصبحت المعرفة حقاً مشاعاً للجميع.. وأصبح من هو في أقصى الشرق يتواصل مع من هو في أقصى الغرب بمجرد (ضغطة زر) أو (كليك) في لوحة مفاتيح أي كمبيوتر متصل بشبكة الأنترنت. ثورات الشعوب العربية والإسلامية هي ثورات شبابية، ثورات جيل عملنا بوعي أو بدون وعي على تغييبه، ومصادرة حقه في أن يبدي رأيه في الذي يجري حوله، ولم نتح له فرصة حتى يحقق أحلامه التي أقعدناها بعجزنا عن توفير فرص عمل له خارج دوائر العمل الحكومي المحدود . التغييرات لن تتوقف، ولن يحل مشكلة انتقالها من قطر إلى آخر رشاوي الحكم والحكام المتمثلة في (الإعانات) العامة و(المساعدات) الخاصة للأسر الفقيرة، وتخصيص منح مالية ثابتة وشهرية للعاطلين عن العمل أو تخفيض الضرائب والرسوم، والعودة إلى مجانية التعليم والعلاج.. أو.. أو.. أو.. أو. .. كل هذا لن يوقف التغييرات إذا لم يتم إشراك الشباب في إدارة الشأن الوطني العام.. وإذا لم يتم استيعاب طاقاتهم الكامنة أو المتفجرة من خلال الأندية الفكرية والرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية.. فالطاقات واحدة لكن الاهتمامات مختلفة، وعلينا كأباء قبل أن نكون أنظمة حاكمة أو دولاً راسخة، علينا أن (نفهم) قبل فوات الأوان. .. ومع ذلك - نقول إن التغييرات في أنظمة الحكم ستتبعها تغييرات في الأدوار الدولية، وفي السياسات، ولنأخذ مصر مثالاً لما قد كان ولما سوف يحدث.. فقدت مرت مصر بمراحل سياسية ميزت دورها الخارجي في كل مرحلة من تلك المراحل ففي عصر محمد علي باشا كانت مصر نموذجاً للطموح المنفتح والمؤثر على من حوله، واستمر ذلك الدور حتى قيام ثورة يوليو 1952م وحددت مصر من خلال سياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر توجهها الجديد للاهتمام بقضايا التحرر واتجهت نحو الاتحاد السوفيتي والصين والهند، خروجاً على محاولات السيطرة الأوربية والأمريكية، وانفتحت على أفريقيا وأصبح لها دور عظيم آنذاك، وعلى الدول العربية من المحيط إلى الخليج، لكن كل ذلك تراجع عندما تولى الرئيس السادات - رحمه الله - الرئاسة في مصر، فأصبح يفرد أشرعة حكمه نحو الشمال الأوربي ونحو الولاياتالمتحدة.. وغابت أفريقيا والعرب نسبياً عن اهتمامات الحكم في مصر.. وتراجع ذلك كله في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي اهتم بأمن مصر القومي دون الاهتمام بدورها في العالم، فلم تعد العواصم العربية أو الأفريقية تهم الرئاسة إلا بقدر ما يفيد الأمن القومي المصري فقط، وكذلك الحال مع أوربا، وتركز الاهتمام على «واشنطن» وحدها على إعتبار أن في يدها مفاتيح الحلول والمعضلات بدءاً من رعاية وضمان معاهدة «كامب ديفيد» انتهاء بمعونات القمح.. الآن ستتغير الصورة حتماً.. وستعود مصر أكثر انفتاحاً على شقيقاتها العربيات، لكنها ستواجه مشكلات لم تعد في الحسبان - نحن سنواجه مثلها ولكن بصورة أقل - وهي إرتفاع أسعار الغذاء العالمي ومحدودية الموارد مع زيادة عدد السكان ومقابلة المشكلات الناشئة عما يحدث في بعض الدول العربية مثل عودة مليون ونصف المليون مصري كانوا يعملون في ليبيا. العالم يتغيير.. أردنا أم أبينا.. والتغيير شامل لن يستثني بلداً ولن يتجاوز أحداً.. لذلك علينا أن نتعامل مع الواقع الجديد بما يستحقه - علينا أن نغيِّر ما بأنفسنا حتى يغيِّر الله حالنا إلى الأفضل. ..و.. جمعة مباركة..