الحظر الجوي بدون سقف.. تماماً كما السماء المفتوحة والممتدة والحبلى بالغيم والسحب التي تمطر، وتلك التي تنقشع وتمر مروراً عابراً.. وفرض الحظر الجوي يفهم منه منع اية (حالة طيران) في منطقة الحظر.. كما يعني أيضاً (التشويش) على المجال الجوي.. وقد يذهب أبعد من ذلك ليشمل ضرب المطارات والقواعد والقوات الجوية.. والأخطر من هذا كله أنه يخول لنفسه أحياناً شن هجمات جوية على مناطق تمركز الجيوش والتورط في انزال بري والدخول في حرب برية وليست جوية فحسب! وسوابق الحظر الجوي بالمنطقة ظلت تفضح وجهه القبيح في العراق وافغانستان وغيرهما.. حيث لا يمكن أن ننسى (الأبرياء والمدنيين) الذين حصدتهم طائرات الحظر الجوي (عن طريق الخطأ)، كما كانوا يبررون دائماً.. أو نتجاهل (النيران الصديقة) التي كانت بمثابة عذر أقبح من الذنب، كلما تصادمت مدفعية التحالف القادم من وراء البحار فيما بينها.. أما الطائرات والأسلحة التي كانوا يسمونها بالذكية فقد أثبتت الوقائع أنها كانت في قمة الغباء، وهي تخطيء أهدافها في كل مرة أو تعجز عن تحقيق واقع أفضل على الأرض ! هذا كله ربما يفسر (التملص) الذي أظهره (الغرب) في باديء الأمر من القيام بفرض الحظر الجوي على ليبيا، انتظاراً لمعرفة من ستؤول اليه السيطرة والتحكم في مصادر النفط.. كما يفسر (التردد) في المشاركة العملية بعد إقراره من مجلس الأمن خشية تكرار السقوط في مستنقع العراق وأفغانستان والصومال.. وقد يكشف لاحقاً أن من سينفذون (الحظر الجوي) سيتبعون طريقين لا ثالث لهما.. أما أن يكتفوا بمسح المجال الجوي من على البعد، وبالتالي يقولون إنهم طبقوا القرار الأممي، وفعلوا شيئاً ولو معنوياً لمن استغاثوا بهم تاركين بذلك لليبيين حسم أمرهم، وبالتالي ضمان ألاَّ يستبعدوا من اتفاقات النفط سواء انتصر القذافي أو الثوار.. وأما أن يكون هناك سيناريو خفي يقضي بالوصول الى (الحظر الجوي) الى سقفه الأعلى والدخول في خيارات مفتوحة لا تستبعد الحرب المباشرة، ومن ثم احتلال الاراضي الليبية وخاصة مناطق النفط التي يريد الغرب تأمينها وحمايتها، وتمثل دافعاً استراتيجياً لتدخله وليس من أجل عيون الليبيين كما قد يعتقد البعض.. فالغرب عبر تاريخه الطويل لم يتورط في حروب إلا من أجل مصلحته أولاً وأخيراً، ولم يقدس قرارات الشرعية الدولية إلا حين تلبي أهدافه وتنسجم مع تطلعاته !! في الحالتين ( الحظر الجوي) الذي كما يؤكد المحللون جاء متأخراً وسبقته الأحداث.. ورغم الظروف الضاغطة التي دعت اليه لن يحل الأزمة وقد يعقدها أكثر وربما يستثير النظام الليبي للامعان في التعنت والقيام بأعمال كارثية غير متوقعة مثلما نسمع الآن من تقدم لقوات القذافي نحو بنغازي ودخولها لضواحيها، والتجهيز لاقتحامها من الداخل رغم إعلان الحكومة الليبية عن وقف فوري لاطلاق النار في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 1973. الجامعة العربية التي رمت بالكرة في ملعب مجلس الأمن وأعطته الضوء الأخضر لاستصدار قرار الحظر الجوي، ربما عليها الآن الالتزام بما قالته من أنها لن تقبل بأن يتحول (الحظر الجوي) الى تدخل عسكري بري أو الموافقة باحتلال الاراضي الليبية.. نقول ذلك ونحن ندرك للأسف أن الأمر قد خرج عن يدها وأن الكرة لن تعود الى ملعبها مرة أخرى، وأن (الحظر الجوي) أصبح واقعاً مفتوحاً على كل الخيارات والاحتمالات.. وربما الشعب الليبي هو وحده الذي يستطيع الآن فرض حظره الخاص على (الحظر الجوي) حتى لا يتجاوز صلاحياته ويتحول الى مدخل للاحتلال وشكل من أشكال الهيمنة ! ماوراء اللقطة: .. مازالت هذه المنطقة غير مؤهلة لإدارة أزماتها وشؤونها الداخلية، وإقامة حكومات تحترم البشر وتمنحهم حقوقهم، بدلاً من تقتيلهم وتشريدهم وتعرية السماء وكشفها للآخرين بكل سهولة لممارسة هوايتهم المفضلة في التطفل عليهم عبر (الحظر الجوي)!. فمن ينام غداً آمناً في (حوشه) الكبير.. ومن يسلم من حكومات تلاحق مواطنيها على الأرض... وأجانب يتلصصون عليهم من السماء.. لمن ينحاز البحر إذن والأعداء من تحته وفوقه.. والقوارب مثقوبة.. والبوصلة تغرق.. تغرق.. تغرق !!