الذي يجري الآن في ساجات كثير من الأقطار العربية والإسلامية، والمتفق على أنه ثورات شعبية- وهو كذلك- لا نحسب أن للخارج يداً فيه إلا بقدر الأثر وإعادة ترتيب الأوراق والمصالح مع تلك الشعوب والدول، خاصة التي شهدت هزات أطاحت بقياداتها السياسية مثلما حدث في تونس.. وما حدث بعد ذلك في مصر، وما سوف يحدث في ليبيا أو غيرها. تحدث البعض منذ فترة عن مشروع الفوضى الخلاقة الذي يستهدف خلق فوضى تعيد تقسيم المنطقة (العربية والشرق الأوسط) وفق مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها من الدول الغربية.. وظن كثيرون أن الذي يحدث الآن ما هو إلا بداية تنفيذ المخطط الأمريكي.. أو بالأحرى (الصهيوأمريكي) الذي يقسم المنطقة بما يحمي مصالح إسرائيل أولاً ليحمي بعد ذلك مصالح الولاياتالمتحدة والغرب، والظن لا يغني من الحق شيئاً- وكثير من مفكرينا وساستنا يظنون- وبعض الظن إثم- أن ما تريده الولاياتالمتحدة والغرب المتمثل في الدول الاستعمارية القديمة، وما يخططون له.. هو واقع لا محالة، وعلى هذه القناعات أو الفرضيات يضعون كل حدث أو ظاهرة على المسطرة الأمريكية لقياسها ومعرفة مدى دقتها في التصويب نحو أهداف الولاياتالمتحدة والغرب. وما واشنطن أو لندن أو باريس أو أي من المدن الغربية إلا مدن يقطنها بشر ويحكمها ساسة تجاوزوا ما نحن فيه اليوم بسنوات وعقود وقرون.. لكن العقل البشري واحد.. وطريقة التفكير والتخطيط والتحليل واحدة، فقط الغرب يفكر تحت النور على ضوء مصالحه على قاعدة معلومات ضخمة وواسعة ومتجددة.. بينما نجلس نحن نتعامل مع الأفعال بردود الأفعال ونرى أن (رزق السياسة) إنما هو (تلاقيط).. أي أننا نتعامل مع الواقع والمستقبل بسياسة (رزق اليوم باليوم) دون تخطيط لمقبل الأيام، لذلك تنهار الأنظمة وتتهاوى وتسقط أمام أول هزة شعبية بسبب ضعف وهزال تلك الأنظمة التي لم تقوِ عودها بثقة الشعوب. ما يحدث الآن ليس فوضى أمريكية خلاقة مصنوعة.. ولا نقلد واشنطن عقد إنجاز ليس لها، وما يحدث من تغييرات الآن هو أمر طبيعي لكل نظام لم يتحصن من مثل هذا اليوم. أما الذين يقولون إن خريطة المنطقة سوف تتغير، فليس هناك تغيير في الخريطة إلا بظهور دولة جنوب السودان، وهذا اختيار أهله الذي تم بطريقة سلمية.. لكن الذي سيحدث رغم أنف الدول الغربية فهو تغيير كثير من أنماط الحكم في المنطقة.. وذلك ليس في صالحها.