المقارنة التي عقدها نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه بين راتبه هو وراتب والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر حيث يتفوق راتب الوالي علي راتب نائب الرئيس لا يشكل إلا جزءً يسيراً من المفارقات الكبيرة في اختلالات الحكم المركزي الذي تؤمن به الحكومة كإيمان الانجليز بالديمقراطية بينما تعددت ثقوب النظام وتعرى أمام الرأي العام السوداني وأصبح الحكم الاتحادي حملاً ثقيلاً وأعباءً لا طاقة للمواطنين بها. اتجهت آراء وتوصيات المجلس الأعلى للحكم اللامركزي نحو تأسيس المستوى التشريعي من الحكم وهو مجالس المحليات التي رفضها د. عبدالحميد موسى كاشا وسفه دور المجلس التشريعي للمحليات وقلل من شأنها من واقع رجل يده في النار وتجدني أقف قريباً من كاشا في مطالبته في الوقت الراهن بصرف النظر عن فكرة المجالس التشريعية للمحليات وحتى لا يبدو كاشا مثل وليم جيفرسون داعية الحرية الأمريكي في حقبة الثورة الأمريكية كان صادقاً أي جيفرسون حينما قال الحرية حق طبيعي ومن الأوفق تأطيره دستورياً بدلاً عن الحديث عنه في القاعات إلا أن جيفرسون في الوقت الذي ينادي فيه بإلغاء العبودية كان يحتفظ في منزله بثلاثين من العبيد السود يخدمون كما كانت له إماء أنجب من واحدة منهن (سالي هيمنجز) وهو الذي كان يدعو لتحريم الزواج من الأعراق المختلفة ولم يدر بخلد جيفرسون أن الحرية تخص البشر وأرقاؤه ليسوا بشراً في ظل الفكر السائد حينذاك وكاشا حينما يدعوا لتقليل الصرف وصرف النظر عن قيام مجالس المحليات فإن الرجل أثقل كاهل مواطني ولايته بأكثر من (40) دستورياً من معتمد محلية إلى وزير ومستشار فكيف يدعوا لفكرة صائبة ويعمل ضدها!! نائب الرئيس لا حاجة له للمال لأنه ببساطة لا يذهب للبقالة ويشتري بسكويت الشاي أو تطلب منه طالبه جامعية مبلغ (50) جنيهاً ليبعث بها تحويل رصيد ورواتب الوالي ليست هي المشكلة بقدرما تضخم أجهزة الحكم هي من يبتلع المال والمجالس التشريعية في الولايات ماذا تفعل هل تؤدي واجبها في الرقابة أم هي مجالس تتجمل بها حكومات الولايات ويحرص الأعضاء على تولي رئاسات اللجان لصرف استحقاقات تعادل استحقاقات الوزير الولائي وماذا يعمل وزراء الرعاية الاجتماعية في الولايات ووزراء الشباب والرياضة وحتى وزراء الصحة وبعض الولايات بها وزارات للثروة الحيوانية و90% من أراضيها صحراء تخلو حتى من الطيور الأليفة!! الحكم الاتحادي في واقعنا الراهن يشكل تهديداً حقيقياً للحكومة التي تواجه أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً بحلول يوليو القادم ولكن الحكومة تبشرنا بمجالس تشريعية جديدة تنفض على ما تبقى من الموارد من أجل إثبات صحة نظرية تقريب المسافة بين المواطن والمركز ولكن ما جدوى (الالتصاق) والالتحام بين محلية في غرب دارفور والخرطوم إذا كان المال يذهب نصفه رواتباً لموظفي الحكومة وطاقمها الوزاري والسياسي والتشريعي!!