لعل الحديث عن (صوت الأمة) تلكم الإذاعة الشامخة الناجحة التي أنشأها محمود أبو العزائم- في إطار منظومة الإذاعة السودانية، والتي قفز من بعدها بجدارة ليكون مديراً عاماً للهيئة العامة للإذاعة في السودان، لعله يكون مدخلاً للحديث عن هذا الجانب المشرق من شخصية أستاذنا محمود أبو العزائم، وهي الإذاعة التي انبثقت من خلالها أفكاره الرائدة في العمل الإعلامي الإذاعي الذي أداره بعقلية الصحفي الخبير بخبايا الإعلام.. فكان أول صحفي وأنجح صحفي يدير إذاعة هو المكلف بانشائها منذ اليوم الأول، فجاء كتاب الفن واحة تؤرخ لتاريخ نشأة وتطور فن الغناء والموسيقى في السودان فتألق برعي محمد دفع الله، في زمان العود والنغم الموسيقى الحديث.. فكان أبوداود، والعطبراوي، وعميد الفن أحمد المصطفى، والقيثار الخالد عثمان حسين، وعوض أحمد خليفة، وبازرعة. كما أختار بذات القدر أن يؤرخ للبدايات في (زمن الرق) منذ محمد ود الفكي من أراضي البجراوية الخضراء الفيحاء سرة وقلب مملكة مروي القديمة، أرض كوش الخالدة.. وصولاً إلى ابن جلدته ووطنه الصغير العبقري إبراهيم الكاشف، الذي إختاره رمزاً لتلك المرحلة هو وعلى المساح، وحميده أبو عشر، وعبيد عبد الرحمن، ثم خلد عبقرية الكاشف وانطلاقه مع أبناء الجيل الجديد من عباقرة الأغنية في تلكم الأيام فكانت توأمته وثنائيته مع الشاعر الفذ (صاحب أغاني وأغاني) السر أحمد قدور، فكان الشوق والريد، ويوم المهرجان (رف قلبي بجناح النسايم) ويا صغير، وغصباً عنك وغيرها من روائعه، وروائع الراحل إسماعيل خورشيد، والعم سيد عبد العزيز وغيرهم. إن الذخيرة التي تركها أبو العزائم في هذا الجانب لا تقدر بثروات الدنيا، ولا تعوضها.. وهي من الكنوز التي عكف عليها بكل المحبة وبكل العمق والفهم.. ولا أذكر كلحظاتنا هذه، إصرار صديقي الراحل الإعلامي المعروف فؤاد عمر (حبابك عشرة)، وهو يصر أن يسجل محمود أبو العزائم، كل ذلك لإذاعة ركن السودان بالقاهرة، والتي كان يقودها آنذاك الإعلامي الكبير فؤاد عمر، والذي كان يسير على خطى محبة السودان التي لم يحد عنها في يوم من الأيام، حتى نال وسام النيلين هنا في الخرطوم من السيد رئيس الجمهورية، ولم يكن أبو العزائم بعيداً عن هذا التكريم.. وكان بعد تقاعده وقد تقدمت به السن، بحثنا نحن أبناؤه على أن نطوق جيد هؤلاء الأفذاذ الذين أحبونا من قلوبهم فؤاد عمر، والحاجة ثريا جودت، ويوسف بدير، ومأمون النجار، والتي كانت دورهم في القاهرة مفتوحة أمامنا.. مثلما كانت دار أستاذنا أبو العزائم ودورها بل وقلوبنا مفتوحة أمامهم وداً وعرفاناً ووفاء، أما حديث البرامج التاريخية ك (تاريخ ومواقف) ومذكرات عثمان دقنة، والبطل القومي الخالد (ود حبوبة) والذين كانت صورهم الباهرة تزين صدر صوت الأمة، فهذا ما سوف نتناوله في كتاباتنا القادمة، أما صلاته في دهاليز السياسة والصحافة، وصلته بمولانا الحسيب النسيب السيد علي الميرغني كأحد الصحفيين المقربين اليه.. فهذا حديث يلذ أن نعيش معاً لحظاته الخالدة، في ذكرى أبي الصحافة الخالد.. محمود أبو العزائم.