أمضى عدة سنوات من عمره يعمل في بيع السكاكين بأنواعها وأحجامها المختلفة، إلى أن استقر به المقام أخيراً على أحد شواطئ النيل بمدينة الخرطوم، كبائع شهير لهذه الأداة التي هي سلاح ذو حدين، بحكم أنها الوسيلة الوحيدة التي يمكنها فك طلاسم كثير من الموجودات الطبيعية والمصنعة حتى يتناولها الإنسان لكافة احتياجاته، فيما تعتبر هي الأداة الأكثر شيوعاً في ارتكاب الجرائم، والأسرع في إزهاق أرواح بني البشر بالبلاد، ومن أغرب المفارقات وأكبر دليل لما ذكرناه في الأسطر السابقة أن تنتهي حياة بائع السكاكين الشهير بطعنات نجلاء من إحدى السكاكين التي كان يروج لبيعها على شاطئ النيل في جنح ظلام ليل بهيم بإحدى المزارع كثيفة الأشجار بالقرب من الشاطئ حيث وُجد (سعيد) مقتولاً بطريقة انتقامية بشعة، وعثر عليه جثة هامدة، مذبوحاً وبه عدة طعنات في البطن، وخلعت عيناه بقوة من مكانها، وآثرت (سكينه) أن تكون نهاية حياته بواسطتها، حيث قام الجاني بذبحه ابتداءً من الجهة اليسرى للعنق وانتهاء بمقدمة العنق وحتى الجهة اليمنى، وتسببت سكين القتيل أيضاً في إحداث تهتك في الشرايين العنقية والأوردة.. إلى جانب قطع كامل للحنجرة والمرئ وعضلات العنق من أعلى، بالإضافة إلى إحداث جرح طعني في أعلى البطن من الجهة اليسرى، ونتجت الوفاة طبقاً لقرار الطبيب الشرعي عن الذبح الكامل بواسطة آلة حادة وصلبة، ولقى بائع السكاكين مصرعه ليلاً ليسفر الصبح عن النهاية المحزنة وغير المتوقعة لسعيد، الذي مازال مفعماً بالشباب والآمال العراض التي ارتحل لتحقيقها بالخرطوم من إحدى مدن شرق السودان، غير أن يد المنون تلقفته سريعاً قبل أن يمضي به الزمن قليلاً لتحقيقها. فقد خرج (سعيد) وفي صحبته القاتل بعد أن عاقرا الخمر بمنزل أحد شهود الاتهام على الحادثة، وأعترف القاتل قضائياً بأنه طعن المرحوم أربع طعنات في بطنه، بعد أن وقع أرضاً وذبحه بالسكين، ولم يتراجع عن اعترافه في استجوابه أمام المحكمة، كما أكد شهود على أن المتهم أعترف أمامهم بالقتل، حيث أشارت البينات الظرفية إلى خروج المرحوم في صحبة القاتل، ورجوع الأخير وهو يحمل سكيناً ملوثة بالدماء وملابسه كذلك، وطلب ملحاً من أحد الشهود وأذابه في الماء وشربه، وبعد غسل السكين خلع ملابسه، وخرج إلى أن قبض عليه لاحقاً بواسطة السلطات، ومن ثم كانت محاكمته، وذكر القاتل في أقواله إن دافعه لارتكاب الجريمة هو تحرش (سعيد) بزوجته عندما كان غائباً عن المنزل، وذلك في أقواله بيومية التحري، فيما ذكر عند استجوابه بواسطة المحكمة أن المجني عليه تحرش به شخصياً، الشيء الذي أعتبرته المحاكم الأعلى سيناريو مشوه، في حين أن القاتل أكد عدم امتلاكه لأي من الشهود للدفاع عنه، واعتبرت المحكمة أن رواية المتهم عن الحادث لا يمكن التعويل عليها على أي نحو، إلا إذا توفر ما يدعو لتصديقها من حيث عدم تناقضها مع الواقع أو مجافاتها للمنطق.. وأخذت المحكمة بأن استيلاء المتهم على سكين المجني عليه يعد انتقاماً لا دفاعاً، وحتى على فرض استمرار العدوان أو التخوف من اعتداء جديد، فإن الوصول بالطعنات إلى أربع طعنات وإرداف ذلك بالنحر واقتلاع العينين يعد تجاوزاً كبيراً، وقطعت بأن بأن اعتداء المتهم على النحو المشار اليه من حيث تفصيلاته وتسلسله، يؤكد أن هناك سبق إصرار ونية مبيتة لإحداث أذى أكثر مما هو.