قلت أمس إن المؤتمر الصحفي الذي عقده والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر حول مشروعات دعم الشرائح الفقيرة بولايته كان جاذباً للصحفيين للبقاء لأكثر من ساعتين لحرص الوالي فيه على أن يستمع إلى الصحفيين بصدر مفتوح وهو يقول لهم أنتم عين مهمة لي.. بنظرتها الفاحصة والدقيقة لما حولها لتقول إحدى الصحفيات الشابات في المؤتمر إن التأمين الصحي الذي يمنح مجاناً للفقراء يمنح بلا معايير وتستشهد بحالات سمت أصحابها ثم تحدثت عن دعم الزكاة وقالت إن هناك أسرة تمتلك منزلاً بسطوح يمنح كل فرد منها دعماً بينما هناك أسرة أفرادها من المعوقين والمرضى تستأجر منزلاً مجاوراً لها تمنح كلها حصة فرد واحد وهكذا كان اللقاء الذي حكى فيه الأستاذ محمد مبروك محمد أحمد من أخبار اليوم أشكالاً أسماها مفارقات ظالمة في التعيينات التي تمت للخريجين بالولاية سمى أصحابها الذين قال إنهم ظلموا لأنهم لا ظهر لهم.. وكان الوالي يستمع للمتحدثين بدون تبرم وكان يدون بدقة كل حالة ويشجع الحاضرين على الحديث عن المزيد دون خوف أو وجل مما فتح شهية الحضور للحديث عن معاناة الناس بكل صراحة وكان في كل سؤال يشير إلى الجهة المسؤولة بولايته بأن تستعد للرد وكان يستمع لردود إداراته ولا يجامل على أي رد غير مقنع مما جعل اللقاء حياً ومما سيجعل له ما بعده حرص الوالي على أن يمارس الإعلام دوره الرقابي وأن يكون عيناً وأذناً له وهو منهج سليم باعتبار أن الإعلام سلطة هامة يجب أن يكون لها دورها وأثرها لا كما يتعامل معها كثير من المسؤولين بأنه كلام جرائد أو اعتبار من يهاجمهم وينتقدهم بأنه ضدهم وضد النظام وقد أعجبني في المؤتمر المنهج الذي اتبعه الوالي وهو يقول إن حرصي على معالجة أية مشكلة يأتي من أنني مسؤول أمام الله عن أي قصور أو ظلم في الولاية.. وكان الوالي متشدداً في توجيهاته للمسؤولين بولايته وكان يقول للوزيرة يجب إن يكون هؤلاء برلمان ينعقد كل شهر في شفافية المهم أن كثيراً مما طرح سواء في الإجابة المقنعة أو الأسئلة التي ستقود إلى معالجات كان مفيداً.. وقد لفتني مما طرح قضية ستات الشاي وقد تذكرت لحظتها صديقي عبد العظيم صالح مدير تحرير «آخر لحظة» خاصة عندما قال الوالي إننا عندما حاولنا حصر البائعات على شارع النيل لإيجاد معالجات لهن وجدنا العدد يتزايد بسرعة خلال الحصر من مائة لأكثر من ثلاثمائة مما يعني صعوبة المعالجات التي تحدث عنها حسين خوجلي بأن المجهودات الإيجابية تغري بالهجرة للخرطوم وتغري بالتدافع لمواقعها حتى ممن لا يحتاجون. فالأستاذ عبد العظيم عندما كنا قبل مدة في دبي بدولة الإمارات العربية قال لي إنه خرمان لشاي ولابد من البحث عن ست شاي نقعد جوارها ونشرب على الهواء الطلق.. قالها من باب الدعابة طبعاً وهو يدري أن ستات الشاي بالطريقة الموجودة عندنا لا يوجدن في أي دولة متطورة في الدنيا.. والمدهش أنني عندما خرجت من قاعة المؤتمر وجدت صحيفة أصدرتها محلية الخرطوم حرصت فيها أن تبرز صورة المعتمد ووزيرة التنمية الاجتماعية وهما يمران بجوار ست شاي والسؤال هل ستقنن الولاية للظاهرة المتمددة والتي صار الأحباش فيها أكثر من السودانيين وصارت المشاهد المستفزة فيها أكثر من الجاذبة.. إنني لست مع هذا التقنين ولابد من بحث عن أعمال أخرى لهن لأن المضار صارت أكثر من الفوائد يا سيادة الوالي وانت تقود ولاية صعبة ولاية الأزمات فيها تسوقكم كثيراً وتشغلكم طويلاً من أن تمضوا في خططكم.. إنها أزمات مصنوعة بعضها سببها عجز الولايات الأخرى أن تحافظ على أهلها وبعضها سببها تسامح الخرطوم بتقنينها لكل الظواهر السالبة فالذي يأتي من الولايات الأخرى ويسكن في أطراف الخرطوم لا تجد السلطات غير أن تقنن له الوضع العشوائي وكذلك حال ستات الشاي والمشردين وما إلى ذلك.. وهذه مشكلة ستكون تداعياتها مستقبلاً أخطر على الوطن وعلى الخرطوم.. وسيأتي يوم يكون فيه السودان كله في الخرطوم ولا يبقى في الولايات غير الولاة والوزراء والمعتمدين العاجزين عن ايقاف هذا المد في ظل فشلنا في أن نصلح الحكم الاتحادي الذي فشل في أن يحقق التنمية المتوازنة لأسباب نعلمها لكننا لا نواجهها ونعالجها لنصلح الحال ونوقف المد المتواصل للخرطوم التي مهما فعلت لن تحقق ما تريد لعدم معرفتها بعدد سكانها بعد أن صار في كل يوم تغلق أسرة عريقة أبوابها في الولايات وتحل بالخرطوم وتريد الخدمات مثلها مثل أهل الخرطوم الذين وضعت الحكومة ميزانيتها وخطتها السنوية على عددهم. هاتف كمال عبد اللطيف اتصل بي ليلة أمس الوزير كمال عبد اللطيف وزير تنمية الموارد البشرية مؤكداً صحة استنتاجي باستبعاد صحة ما ورد على لسانه بأن «الراجل يطلع في مظاهرة» وقال إنه لم يقل ذلك اطلاقاً وأن ذلك ليس منهجه ولا دأبه فشكرت الوزير على الاتصال والتأكيد وقلت له عرفناك منضبطاً في حديثك وتصرفاتك وفي أدائك الشيء الذي جعلني أستبعد صحة ما نسب إليه. فقد أكدت التجارب أنه عميق عميق وليس من الهتيفة الذين يقفزون ليقولون أي شيء في أي موضوع لمجرد تأكيد وجودهم في الساحة.