من ترتيبات القدر العجيبة أنني تلقيت كتابين قيمين في يومين متتاليين عن الانتخابات السودانية للعام 2010م، وهما تقريران وافيان الأول حمل اسم (المفوضية القومية للانتخابات- التقرير الأولي حول الانتخابات العامة 2010م) أصدرته مفوضية الانتخابات، وتم إعداده في أغسطس من العام الماضي أي بعد أربعة أشهر من عملية الانتخابات وتضمن تعريفاً بالأطر الدستورية والقانونية للانتخابات، كما تضمن تعريفاً بالمفوضية وميزانيتها، وتدريب وتثقيف الناخبين، والنظام الانتخابي نفسه، ثم مراحل العملية الانتخابية وعمليات الاقتراع والفرز والعد وإعلان النتائج إضافة إلى الانتخابات التكميلية، والتحديات والصعوبات التي واجهت الانتخابات إلى جانب عدد من الملاحق التي أخذت حجماً وحيزاً أكبر من كل ما سبق الإشارة إليه، وتضمنت عدداً من المنشورات وتقارير بعثات المراقبة الخارجية، وملاحق بقوائم المرشحين للرئاسة وللدوائر القومية والولائية والأحزاب والكشف النهائي لسجل الناخبين. الكتاب الأول الذي أشرت إليه في بداية هذه الزاوية حمله إليّ- هدية مقدرة- من المفوضية صديقنا وأستاذنا الكبير أبوبكر وزيري الخبير الإعلامي المعروف ومعه الأستاذ محمد عبد الرحمن من إعلام المفوضية.. أما الكتاب الثاني الذي تسلمته قبل الأول بيوم فقد جاء إليَّ عن طريق رسول من الدكتور خالد حسين محمد خير الله وهو صديق قديم له عدة مؤلفات وحاصل على درجة الدكتوراة في القانون الدولي وله خبرات عملية عديدة منها أنه كان مديراً للهيئة الخيرية لدعم القوات المسلحة ثم عمل- ولا زال- مديراً لمركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، وقد شاركت معه وآخرين في ندوة دولية عن دارفور عقدت في القاهرة عام 2007م، وهو رجل بار بالعلم والتحصيل والمعارف لذلك أعد كتابه الأخير عن الانتخابات الذي جاء يحمل اسم (الانتخابات السودانية للعام 2010م ومدى مطابقتها للمعايير الدولية) وفيه رصد دقيق للمشهد السياسي بين قيام الانتخابات في موعدها والدعوة إلى تأجيلها، وأهداف ومقاصد أمريكا من قيام الانتخابات في موعدها.. وهذا في الفصل الأول، أما الفصل الثاني فقد تضمن المعايير الدولية للانتخابات في القانون الدولي، والتشريع السوداني، والانتخابات في الدستور السوداني، وفي قانون الأحزاب، وقانون الانتخابات واستيفاء القانون السوداني للمعايير الدولية. وجاء في الفصل الثالث مدى استيفاء الانتخابات السودانية للمعايير الدولية ثم أضواء على مفوضية الانتخابات، والإحصاء السكاني وتسجيل الأحزاب وتحديد الدوائر الجغرافية ثم مراحل التسجيل والترشيح والحملات الانتخابية والاقتراع والفرز والطعون.. ثم تجيء بعد ذلك أربعة فصول تضمنت تقارير المراقبين والبعثات ووقفة عند دعاوى التزوير ونماذج لإدارة حزب المؤتمر الوطني للانتخابات ونتائج وتوصيات هذا البحث العلمي المهم إلى جانب الملاحق المختلفة. سعدت بالكتابين الذين صدرا بعد عام تقريباً من العملية الانتخابية وفيهما رصد وتوثيق لواحدة من أهم وأخطر الانتخابات التي شهدتها بلادنا، قد لا يشعر كثيرون من غير المشتغلين بأمر السياسة بأهميتها، لكننا بالتأكيد سنترك إرثاً عظيماً للأجيال القادمة يكشف لها كم كان هذا الشعب- ولا زال- واعياً.. عظيماً.. ومتحضراً.